الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كان لرجل على رجل حنطة سلم وبه كفيل فأداه الكفيل ثم صالح المكفول عنه على دراهم أو عرض أو مكيل أو موزون يدا بيد فهو جائز ; لأن ما يرجع به الكفيل على الأصيل ليس بسلم فإن السلم اسم لما يجب بعقد السلم وهذا إنما يجب للكفيل على الأصيل بعقد الكفالة وهو عقد آخر سوى السلم .

( ألا ترى ) أنه لو كفل ببدل الصرف أو برأس مال السلم وأداه في المجلس ثم فارق الأصيل قبل أن يرجع به عليه جاز ذلك ; لأن ما يرجع به [ ص: 67 ] الكفيل على الأصيل بمنزلة بدل القرض فإن الكفيل يصير مقرضا ذمته من الأصيل بالالتزام للمطالبة بالكفالة ثم يصير مقرضا ماله منه بالأداء عنه فما يرجع به عليه يكون بدل القرض . والاستبدال ببدل القرض صحيح .

ولو كان شيء من ذلك نسيئة لم يجز إلا الطعام ; لأن ذلك يكون دينا بدين فأما إذا صالحه بكر من حنطة إلى أجل ; فهو جائز ; لأنه لا مبادلة هنا بل هو تأجيل في عين ما استوجب الرجوع به عليه . فإن قيل : فأين ذهب قولكم : إنه بمنزلة القرض والأجل في القرض لا يلزم .

قلنا : هو في حكم القرض وأما في الحقيقة فليس بقرض بل هو واجب بعقد مآلا ، وهو الكفالة والأجل في القرض إنما لم يلزم بمنزلة الإعارة ، وهو غير موجود فيما وجب بعقد الكفالة فلهذا صح تأجيله فيه ولو صالحه على شيء قبل أن يؤدي كان جائزا ; لأنه بنفس الكفالة وجب الدين للكفيل على الأصيل كما وجب للطالب على الكفيل ولكنه مؤجل على أن يؤدي عنه .

والصلح عن الدين المؤجل قبل حلول الأجل صحيح . فإن أدى الأصيل الطعام إلى الطالب رجع على الكفيل بطعام مثله في ذلك كله ( ما خلا خصلة واحدة ) وهي ما إذا كان صالحه على طعام أقل من ذلك فإنه لم يرجع إلا بمثل ما أعطاه ; لأن هذا كان منه إسقاطا لبعض حقه واستيفاء للبعض فلا يرجع عليه إلا بقدر ما أوفاه وفيما سواه كان الصلح بينهما مبادلة وكان الكفيل كالمستوفي منه جميع الطعام بما أخذه من عوضه وإنما استوفى ذلك ليقضي عنه ما عليه للطالب فإذا لم يفعل كان للأصيل أن يرجع عليه بما استوفى منه كما إذا أوفاه الطعام حقيقة . ولو أخذ الكفيل الطعام من الأصيل قبل أن يؤديه ثم أداه ; كان التأجيل صحيحا ; لأنه استوجب المال عليه بعقد الكفالة قبل الأداء .

والتأجيل في الدين بعد وجوبه صحيح . ولو صالح الكفيل الأصيل على دراهم ثم افترقا قبل أن يقبضها فالصلح باطل ; لأنه استوجب عليه الطعام دينا ، فإذا صالحه على دراهم كان دينا بدين فلا يكون عفوا بعد المجلس .

والدراهم لا تتعين بالتعيين ما لم تقبض ، وكذلك لو صالحه على شيء بغير عينه مما يكال أو يوزن ما خلا الطعام فإنه إن صالحه على نصف كر حنطة إلى أجل فهو جائز ; لأنه لا مبادلة بينهما في هذا الصلح ، وإنما حط عنه نصف كر وأجله في ذلك النصف وذلك مستقيم . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية