الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الظالم المغرور فاستشعر في نفسه خيلاء الفطنة لهذه الدقيقة ، ثم عجز عن الإخلاص بالقلب ، فترك مع ذلك تعويد اللسان بالذكر فأسعف الشيطان وتدلى بحبل غروره فتمت بينهما المشاركة والموافقة كما قيل وافق شن طبقه ، وافقه فاعتنقه وأما المقتصد فلم يقدر على إرغامه بإشراك القلب في العمل ، وتفطن لنقصان حركة اللسان بالإضافة إلى القلب ، ولكن اهتدى إلى كماله بالإضافة إلى السكوت والفضول فاستمر عليه ، وسأل الله تعالى أن يشرك القلب مع اللسان في اعتياد الخير ، فكان السابق كالحائك الذي ذمت حياكته فتركها ، وأصبح كاتبا ، والظالم المتخلف كالذي ترك الحياكة أصلا ، وأصبح كناسا والمقتصد كالذي عجز عن الكتابة فقال : لا أنكر مقدمة الحياكة ، ولكن الحائك مذموم بالإضافة إلى الكاتب لا بالإضافة إلى الكناس ، فإذا عجزت عن الكتابة فلا أترك الحياكة ; ولذلك قالت رابعة العدوية استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير فلا تظن أنها تذم حركة اللسان من حيث أنه ذكر الله بل تذم غفلة القلب ، فهو محتاج إلى الاستغفار من غفلة قلبه ، لا من حركة لسانه ، فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضا احتاج إلى استغفارين لا إلى استغفار واحد ، فهكذا ينبغي أن تفهم ذم ما يذم ، وحمد ما يحمد ، وإلا جهلت معنى ما قال القائل الصادق : حسنات الأبرار سيئات المقربين فإن هذه أمور تثبت بالإضافة فلا ينبغي أن تؤخذ من غير إضافة ، بل ينبغي أن لا تستحقر ذرات الطاعات والمعاصي ; ولذلك قال جعفر الصادق إن الله تعالى خبأ ثلاثا في ثلاث رضاه في طاعته ، فلا تحقروا منها شيئا فلعل رضاه فيه وغضبه في معاصيه فلا تحقروا منها شيئا فلعل غضبه فيه وخبأ ولايته في عباده ، فلا تحقروا منهم أحدا فلعله ولي الله تعالى وزاد وخبأ إجابته في دعائه ، فلا تتركوا الدعاء فربما كانت الإجابة فيه .

التالي السابق


(وأما الظالم المغرور فاستشعر لنفسه خيلاء الفطنة) ، وعجب الإدراك (لهذه الدقيقة، ثم عجز عن الإخلاص بالقلب، فترك مع ذلك تعديد اللسان بالذكر فأسعف الشيطان) بمراده، (وتدلى بحبل غروره فتمت بينهما المشاركة) ، وفي نسخة: المشاكلة (والموافقة) ، فكان (كما قيل) في المثل: (وافق شن طبقه، وافقه فاعتنقه) الشن بالفتح، وعاء من أدم يوضع فيه الماء وغيره، وطبقه غطاؤه أي: وافق الشن غطاؤه، هكذا فسره الزمخشري في الأساس، وقال الكلبي: قولهم أوفق من طبق [ ص: 608 ] لشن طبق قبيلة من إياد، وشن من ربيعة، فأوقعت طبقة بشن فانتصف منها فقالوا: وافق شن طبقه، وأنشد في ذلك:


لقيت شنا إياد بالغنى ولقد وافق شنا طبقه



(وأما المقتصد فلم يقدر على إرغامه بإشراك القلب في العمل، وتفطن لنقصان حركة اللسان إلى القلب، ولكن اهتدى بالإضافة إلى السكوت والفضول فاستمر عليه، وسأل الله تعالى أن يشرك القلب مع اللسان في اعتياد الخير، فكان السابق كالحائك الذي ذمت حياكته فتركها، وأصبح كاتبا، والظالم لنفسه المتخلف كالذي ترك الحياكة أصلا، وأصبح كناسا) يكنس الزبالات، (والمقتصد كالذي عجز عن الكتابة فقال: لا أنكر مذمة الحياكة، ولكن الحائك مذموم بالإضافة إلى الكاتب بالإضافة إلى الكناس، فإذا عجزت عن الكتابة فلا أترك الحياكة; ولذلك قالت رابعة العدوية) رحمها الله تعالى: (استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير) نظرا إلى ذلك، (فلا تظن أنها تذم حركة اللسان من حيث ذكر الله) تعالى، (بل) هي (تذم غفلة القلب، فهو محتاج إلى الاستغفار من غفلة قلبه، لا من حركة لسانه، فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضا يحتاج إلى استغفارين لا إلى استغفار واحد، فهكذا ينبغي أن تفهم ذم ما يذم، وحمد ما يحمد، وإلا جهلت معنى ما قال القائل الصادق: حسنات الأبرار سيئات المقربين) ، وهو من كلام أبي سعيد الحراز كما قاله ابن عساكر في ترجمته، وقد تقدم .

(فإن هذه أمور تثبت بالإضافة فلا ينبغي أن تؤخذ من غير إضافة، بل ينبغي ألا تستحقر ذرات الطاعات والمعاصي; ولذلك قال) أبو عبد الله (جعفر الصادق) رحمه الله تعالى: (إن الله خبأ ثلاثا في ثلاث) ; خبأ (رضاه في طاعته، فلا تحقروا منها) أي: من الطاعات (شيئا فلعل رضاه فيه) ، وخبأ (غضبه في معاصيه فلا تحقروا منها فلعل غضبه فيه) ، وخبأ (ولايته) ، وفي نسخة: وليه (في عباده، فلا تحقروا منهم أحدا) ، وفي نسخة: فلا تحقروا من عباد الله أحدا (فلعله ولي الله) ، وزاد رابعا فقال: (و) خبأ (إجابته في دعائه بأسمائه، فلا تتركوا شيئا منها) ، وفي نسخة: ولا تتركوا الدعاء (فربما كانت الإجابة فيه) ، وبه تم الركن الثالث .




الخدمات العلمية