الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
9061 - من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه (حم ق هـ) عن أبي هريرة - (صح)

التالي السابق


(من نسي) مفعوله محذوف :وهو صومه بقرينة قوله (وهو صائم) أي والحال أنه صائم (فأكل أو شرب) قليلا أو كثيرا كما رجحه النووي من الشافعية، خصهما من بين المفطرات لغلبتهما وندرة غيرهما كالجماع (فليتم صومه) أضافه إليه إشارة إلى أنه لم يفطر، وإنما أمر بالإتمام لفوت ركنه ظاهرا، ثم علل كون الصائم لا يفطر بقوله (فإنما أطعمه الله وسقاه) فليس له فيه مدخل، فكأنه لم يوجد منه فعل. قال الطيبي: "إنما" للحصر، أي ما أطعمه وما سقاه أحد إلا الله تعالى، فدل على أن النسيان من الله، ومن لطفه في حق عباده تيسيرا عليهم ودفعا للحرج، وأخذ منه الأكثر أنه لا قضاء، وذهب مالك وأحمد إلى أن من أكل أو جامع ناسيا لزمه القضاء والكفارة؛ لأنه عبادة تفسد بالأكل والجماع، فوجب أن تفسد بنسيان كالحج والحدث، ولأنهما لو وقعا في ابتداء الصوم أفسدا، كما لو أكل أو جامع ثم بان طلوع الفجر عند أكله أو جماعه، فكذا وقوعهما في أثنائه، ورد الأول بالمنع بأنه لم يتعرض له فيه، بل روى الدارقطني وابنا حبان وخزيمة سقوط القضاء بلفظ " فلا قضاء عليه "، والثاني بالفرق، لأن النهي في الصوم نوع واحد، ففرق بين عمده وسهوه، وفي الحج قسمان: أحدهما ما استوى عمده وسهوه كحلق وقتل صيد، والثاني فرق في وقت الصلاة كتطيب ولبس، فألحق الجماع بالأول لأنه إتلاف، والثاني بأنه مخطئ في الوقت وهذا مخطئ في الفعل وبينهما فرق، ولهذا لو أخطأ في وقت الصلاة لزمه القضاء، أو في عدد الركعات بنى على صلاته، ثم دليلنا خبر: من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم فليس عليه بأس، وخبر: من أفطر رمضان ناسيا فلا قضاء ولا كفارة، وخبر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، فإن قيل: لو كان النسيان عذرا كان في النية، رد بأن الجماع وأخواته من قبيل المناهي، والنية من قبيل الأفعال لأنها قصد، وما كان من قبيل الأفعال لا يسقط بالسهو دون المناهي فقد تسقط، ولأن النص فرق بينهما فلا ينتفي، لأن الشيء لا يبقى مع المنافي لتسويته، ولأنها للشروع في العبادة، والشروع فيها أليق بالتغليظ، ولأن النية مأمور بها للفعل والامتثال، ولأن المنهي عنه فإنه للامتناع والكف والترك، والنسيان به غالب، فإن قيل: لا يبطل الصوم إلا بدخول عين بقصد أكله وشربه ولو تداويا لورود النص بالأكل والشرب، رد لأنه ألحق بها الغير قياسا وإجماعا، فإن قيل السهو والجهل عذر بالنسبة لكل مفطر مطلقا لعموم النص، رد بأنه عذر فيما قل لا فيما كثر لندرة كثرة السهو

(حم ق هـ) في الصوم (عن أبي هريرة ) قضية تصرف المصنف أنه لم يروه من الستة إلا هؤلاء الثلاثة مع أن الجماعة كلهم رووه بألفاظ متقاربة.



الخدمات العلمية