الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
9940 - لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (حم ق ت ن هـ) عن أنس - (صح)

التالي السابق


(لا يؤمن أحدكم) إيمانا كاملا، فالمراد بنفيه هنا نفي بلوغ حقيقته ونهايته من قبيل خبر: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن (حتى يحب) بالنصب؛ لأن "حتى" جارة و "أن" بعدها مضمرة، ولا يجوز الرفع فتكون "حتى" عاطفة لفساد المعنى، إذ عدم الإيمان ليس سببا للمحبة، ذكره الكرماني (لأخيه) في الإسلام من الخير كما في رواية النسائي والقضاعي وابن منده والإسماعيلي وغيرهم، فمن قصره على كف الأذى فقد قصر، ولا حاجة لقول البعض: هو عام مخصوص، إذ المرء يحب لنفسه وطء حليلته لا لغيره، والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدينية والدنيوية، وتخرج المنهيات؛ لأن اسم الخير لا يتناولها، والمحبة إرادة ما تعتقده خيرا، قال النووي: المحبة: الميل إلى ما يوافق المحب، وقد يكون بحواسه كحسن الصورة أو بعلته أو بعقله، إما لذاته كالفضل والكمال، أو لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر، والمراد هنا الميل الاختياري دون القهري (ما يحب لنفسه) من ذلك، وأن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من السوء، ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم بغض نقيضه، وذلك ليكون المؤمنون كنفس واحدة، ومن زعم -كابن الصلاح- أن هذا من الصعب الممتنع غفل عن المعنى والمراد، وهو أن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها كما تقرر، وبه دفع ما قيل: هذه محبة عقلية لا تكليفية طبيعية؛ لأن الإنسان جبل على حب الاستئثار، فتكليفه بأن يحب له ما يحب لنفسه مفض إلى أن لا يكمل إيمان أحد إلا نادرا، وذكر الأخ غالبي، فالمسلم ينبغي أن يحب للكافر الإسلام وما يترتب عليه من الخير والأجر، ومقصود الحديث انتظام أحوال المعاش والمعاد، والجري على قانون السداد واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وعماد ذلك وأساسه السلامة من الأدواء القلبية، كالحاسد يكره أن يفوته أحد أو يساويه في شيء، والإيمان يقتضي المشاركة في كل خير من غير أن ينقص على أحد من نصيب أحد شيء. نعم من كمال الإيمان تمني مثل فضائله الأخروية الذي فات فيها غيره، وآية ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض نهي عن الحسد المذموم، فإذا فاقه أحد في فضل دين الله اجتهد في لحاقه وحزن على تقصيره، لا حسدا بل منافسة في الخير وغبطة

(حم ق ت ن هـ عن أنس) بن مالك، لكن لفظ رواية مسلم : حتى يحب لأخيه، أو قال: جاره، ورواية البخاري وغيره بغير شك، وسبب هذا الحديث كما خرجه الطبراني عن أبي الوليد القرشي قال: كنت عند بلال بن أبي بردة ، فجاء رجل من عبد القيس وقال: أصلح الله الأمير، إن أهل الطف لا يؤدون زكاتهم، وقد علمت ذلك فأخبرت الأمير، فقال: من أنت؟ قال: من عبد القيس، قال: ما اسمك؟ قال: فلان، فكتب لصاحب شرطته يسأل عنه عبد القيس فقال: وجدته لعمر في حبسه، فقال: الله أكبر، حدثني أبي عن جدي أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث.



الخدمات العلمية