الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 330 ] قال : ( وتوضع الجزية على أهل الكتاب والمجوس ) لقوله تعالى: { من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية }الآية ، { ووضع رسول الله عليه الصلاة والسلام الجزية على المجوس }. .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : روي { أن رسول الله وضع الجزية على المجوس }; قلت : فيه أحاديث : منها حديث أخرجه البخاري في " صحيحه " عن مجالد ، وهو ابن عبدة المكي ، قال : { أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة : فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر } ، انتهى .

                                                                                                        حديث آخر : رواه مالك في " الموطإ " أخبرنا الزهري { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين ، وأن عمر أخذها من مجوس فارس ، وأن عثمان أخذها من مجوس [ ص: 331 ] البربر }انتهى . وعن مالك رواه محمد بن الحسن في " موطئه " ، وابن أبي شيبة في " مصنفه " بسنده ومتنه ، ورواه الدارقطني في " غرائب مالك " ، والطبراني في " معجمه " والترمذي عن الحسين بن أبي كبشة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . قال الدارقطني : لم يصل إسناده غير الحسين بن أبي كبشة البصري عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك ; ورواه الناس عن مالك ، عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، ليس فيه السائب ، وهو المحفوظ انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى البزار في " مسنده " ، والدارقطني في غرائب مالك " من حديث أبي علي الحنفي ثنا مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه أن { عمر بن الخطاب ذكر المجوس ، فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أشهد ، لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سنوا بهم سنة أهل الكتاب }انتهى .

                                                                                                        قال البزار : هذا حديث قد رواه جماعة عن جعفر عن أبيه ، لم يقولوا : عن جده ، وجده هو علي بن الحسين ، وهو مرسل ، ولا نعلم أحدا قال فيه : عن جده إلا أبو علي الحنفي عن مالك انتهى .

                                                                                                        وقال الدارقطني : لم يقل فيه : عن جده ممن رواه عن مالك غير أبي علي الحنفي ، وكان ثقة ، وهو في " الموطإ " عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر انتهى . قلت : هكذا رواه في " الموطإ " من رواية يحيى بن يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر ، فذكره . ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر به [ ص: 332 ] مرسلا ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " حدثنا ابن جريج عن جعفر به ، ورواه إسحاق بن راهويه أخبرنا عبد الله بن إدريس عن جعفر به ، قال ابن عبد البر : هذا حديث منقطع ، فإن محمد بن علي لم يلق عمر ، ولا عبد الرحمن بن عوف ، وقد رواه أبو علي الحنفي ، وكان ثقة ، واسمه عبد الله بن عبد المجيد ، فقال فيه : عن جده ، ومع ذلك فهو منقطع ، لأن علي بن الحسين لم يلق عمر ، ولا عبد الرحمن بن عوف ، ولكن معناه يتصل من وجوه حسان انتهى .

                                                                                                        قال صاحب " التنقيح " : وقد روي معنى هذا من وجه متصل ، إلا أن في إسناده من يجهل حاله ، قال ابن أبي عاصم ، حدثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي ثنا أبو رجاء وكان جارا لحماد بن سلمة ، ثنا الأعمش عن زيد بن وهب ، قال : { كنت عند عمر بن الخطاب ، فقال : من عنده علم من المجوس ؟ فوثب عبد الرحمن بن عوف ، فقال : أشهد بالله على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته يقول : إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب ، فاحملوهم على ما تحملون عليه أهل الكتاب } ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى الشافعي في " مسنده " حدثنا سفيان عن سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم ، قال : { قال فروة بن نوفل : علام تؤخذ الجزية من المجوس ، وليسوا بأهل كتاب ؟ فقام إليه المستورد ، فأخذ بلبته ، وقال : يا عدو الله تطعن على أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى أمير المؤمنين يعني عليا وقد أخذوا منهم الجزية ، فذهب به إلى القصر ، فخرج عليهم علي ، وقال : أنا أعلم الناس بالمجوس ، كان لهم علم يعلمونه ، وكتاب يدرسونه ، وأن ملكهم سكر ، فوقع على ابنته ، أو أمه ، فاطلع عليه بعض أهل مملكته ، فلما صحا أرادوا أن يقيموا عليه الحد ، فامتنع منهم فدعا أهل مملكته ، فقال : تعلمون دينا خيرا من دين آدم ، وقد كان ينكح بنيه من بناته ؟ فأنا على دين آدم ، وما يرغب بكم عن دينه ؟ فبايعوه ، وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم ، فأصبحوا ، وقد أسري على كتابهم ، فرفع من بين أظهرهم ، وذهب العلم الذي في صدورهم ، وهم أهل الكتاب ، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر منهم الجزية }انتهى .

                                                                                                        قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وسعيد بن المرزبان مجروح ، قال يحيى القطان : لا أستحل أروي عنه . وقال ابن معين : ليس بشيء . ولا يكتب حديثه ، وقال الفلاس : متروك الحديث . وقال أبو أسامة : كان ثقة ، وقال أبو زرعة : هو مدلس ، انتهى .

                                                                                                        ومن طريق [ ص: 333 ] الشافعي روى البيهقي في " المعرفة " ، وقال : أخطأ ابن عيينة في قوله : نصر بن عاصم ، وإنما هو عيسى بن عاصم ، هكذا رواه ابن فضيل ، والفضل بن موسى عن سعيد بن المرزبان عن عيسى بن عاصم ، قال محمد بن إسحاق بن خزيمة : كنت أتوهم أن الخطأ من الشافعي ، فوجدت غيره تابعه ، فعلمت أن الخطأ من ابن عيينة ثم أسند البيهقي عن أبي داود ، وأبي زرعة أنهما قالا : ما علمنا للشافعي حديثا أخطأ فيه ، والله أعلم . .




                                                                                                        الخدمات العلمية