الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو التزم جعلا لمعين ) كإن رددته فلك دينار ( فشاركه غيره في العمل إن قصد إعانته ) مجانا أو بعوض منه ( فله ) أي ذلك المعين ( كل الجعل ) ؛ لأن قصد الملتزم الرد ممن التزم له بأي وجه أمكن [ ص: 373 ] فلم يقصر لفظه على المخاطب وحده بخلاف ما مر فيما إذا أذن لمعين فرده نائبه مع قدرته ؛ لأن المالك لم يأذن فيه أصلا ولا شيء للمعاون إلا إن التزم له المخاطب أجرة وأخذ السبكي من كلامهم هنا وفي المساقاة جواز الاستنابة في الإمامة والتدريس وسائر الوظائف القابلة للنيابة ، وإن لم يأذن الواقف إذا استناب من وجد فيه شرط الواقف مثله أو خيرا منه ويستحق المستنيب كل المعلوم وضعف إفتاء المصنف وابن عبد السلام أنه لا يستحقه واحد منهما المستنيب لعدم مباشرته ، والنائب الذي لم يأذن له الناظر لعدم ولايته ورد عليه الأذرعي ذلك وأطال ثم قال وما ذكره فيه فتح باب لأكل أرباب الجهات مال الوقف دائما المرصد للمناصب الدينية واستنابة من لا يصلح أو يصلح بنزر يسير قال غيره وهكذا جرى فلا حول ولا قوة إلا بالله انتهى .

                                                                                                                              ويرد بأنه سد ذلك الباب باشتراط كونه مثله أو خيرا منه والزركشي بأن الريع ليس من باب جعالة ولا إجارة إذ لا يمكن وقوع العمل مسلما للمستأجر أو الجاعل وإنما هو إباحة بشرط الحضور ولم يوجد [ ص: 374 ] فلا يصح أخذه المذكور وقضيته أنه لا شيء للمستنيب ، ولو لعذر ، ولو لمن هو خير منه وقضية كلام الأذرعي خلافه والذي يتجه استثناء النيابة لمثله أو خير منه لعذر عملا بالعرف المطرد بالمسامحة في الإنابة حينئذ وعليه فيجاب عما ذكره الزركشي بأنه لما أناب بالقيدين المذكورين سومح له ، وإن لم يتصور هنا إجارة ولا جعالة عملا باطراد العرف بهذه المسامحة المطلع عليها الواقفون والمنزلة منزلة شروطهم وحينئذ صار كأنه حاضر فاستحق المعلوم ولزمه ما التزم لنائبه ويؤخذ من قول السبكي القابلة للنيابة أن المتفقه لا تجوز له الاستنابة حتى عند السبكي إذ لا يمكن أحدا أن يتفقه عنه ، وبه جزم الغزي قال غيره وهو واضح والكلام كله في غير وقف الأتراك لما مر فيها ( وإن قصد ) المشارك ( العمل للمالك ) يعني الملتزم بجعل أو دونه أو لنفسه أو للجميع أو لاثنين منهم أو لم يقصد شيئا ( فللأول قسطه ) إن شاركه من أول العمل وهو نصف الجعل إن قصد نفسه أو الملتزم أو هما أو أطلق وثلاثة أرباعه إن قصد نفسه والعامل أو العامل والملتزم وثلثاه إن قصد الجميع [ ص: 375 ] ( ولا شيء للمشارك بحال ) أي في حال مما ذكر لتبرعه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله فرده نائبه إلخ ) أي على ما مر ( قوله جواز الاستنابة في الإمامة إلخ ) اعتمده م ر ( قوله وسائر الوظائف القابلة إلخ ) أي ، ولو بدون عذر فيما يظهر شرح م ر ( قوله أو خيرا منه ) أي باعتبار المقصود من الوظيفة [ ص: 374 ] قوله وقضيته أنه لا شيء للمستنيب ، ولو لعذر ) شرح م ر ( قوله : وقضية كلام الأذرعي خلافه ) وهو الأوجه شرح م ر وليتأمل ما تقدم قريبا من قوله أي ، ولو بدون عذر فيما يظهر ( قوله أن المتفقه لا تجوز له الاستنابة إلخ ) اعتمد م ر جواز الاستنابة للمتفقه أيضا ؛ لأن المقصود إحياء البقعة بتعلم الفقه فيها وذلك حاصل مع الاستنابة وجوز أنه يؤخذ من ذلك أن تجوز الاستنابة للأيتام المنزلين بمكاتب الأيتام فليتأمل ( قوله وهو ) أي القسط وقوله وإن قصد أي المشاركة ش .

                                                                                                                              ( فروع )

                                                                                                                              قال في شرح الروض قال في الأصل ولو شاركه اثنان في الرد فإن قصدا إعانته فله تمام الجعل أو العمل للمالك فله ثلثاه ثم قال في الروض وشرحه ، ولو قال لكل من ثلاثة رده ولك دينار فردوه فلكل منهم ثلثه توزيعا على الرءوس قال في الأصل قال المسعودي هذا إذا عمل كل منهم لنفسه أما لو قال أحدهم أعنت صاحبي فلا شيء له ولكل منهما نصف ما شرط له أو اثنان منهم أعنا صاحبنا فلا شيء لهما وله جميع الشروط فإن شاركهم رابع فلا شيء له فإن قصد المالك أو قصد أخذ الجعل منه فلكل من الثلاثة ربع فإن أعان أحدهم فللمعاون أي بفتح الواو النصف وللآخر النصف أو اثنين منهم فلكل منهما ربع وثمن وللثالث ربع فإن شرط لأحدهم مجهولا كثوب مع شرطه لكل من الآخرين دينارا فردوه فله ثلث أجرة المثل ولهما ثلثا المسمى ا هـ شرح الروض ، ولو كان عبد بينهما أثلاثا فأبق فجعلا لمن رده دينارا لزمهما بنسبة ملكيهما شرح م ر وفيه ، ولو قال لواحد إن رددته فلك دينار ولآخر إن رددته أرضيك فرداه فللأول نصف الدينار والآخر نصف أجرة مثل عمله ، ولو قال إن رددت عبدي فلك كذا فأمر رقيقه برده ثم أعتقه في أثناء العمل استحق كل الجعل كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي لإنابته إياه في العمل المذكور ولا يؤثر طريان حريته كما لو أعانه أجنبي فيه ولم يقصد المالك وأفتى أيضا في ولد قرأ عند فقيه مدة ثم نقل إلى فقيه آخر فطلع - [ ص: 375 ] عنده سورة يعمل لها سرور كالأصاريف مثلا وحصل له فتوح بأنه للثاني ولا يشاركه الأول ا هـ .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله فلم يقصر لفظه إلخ ) عبارة المغني فلا يحمل لفظه على قصر العمل على المخاطب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من كلامهم هنا وفي المساقاة ) عبارة المغني من استحقاق المجعول له تمام الجعل إذا قصد المشارك إعانته ومن استحقاق العامل في المساقاة نصيبه إذا تبرع عنه المالك أو أجنبي في العمل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله جواز الاستنابة إلخ ) أي ولو بدون عذر فيما يظهر ا هـ نهاية وسيأتي ما فيه ( قوله وسائر الوظائف القابلة إلخ ) وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا من أن صاحب الخطابة يستنيب خطيبا يخطب عنه ثم أن النائب يستنيب آخر هل يجوز له ذلك ويستحق ما جعله له صاحب الوظيفة أم لا والجواب عنه الظاهر أنه إن حصل له عذر منعه من ذلك وعلم به المستنيب أو دلت القرينة على رضا صاحب الوظيفة بذلك جاز له أن يستنيب مثله ويستحق ما جعل له وإن لم يحصل ذلك ولم تدل قرينة على الرضا بغيره لا يجوز ولا شيء له على صاحب الوظيفة لعدم مباشرته وعليه لمن استنابه أجرة مثله من مال نفسه ووقع السؤال فيه أيضا عن مسجد انهدم وتعطلت شعائره هل يستحق أرباب الشعائر المعلوم أم لا والجواب عنه الظاهر أن من تمكنه المباشرة مع الانهدام كقراءة جزء به فاته يمكنه ذلك ولو صار كوما استحق المعلوم إن باشر ومن لا تمكنه المباشرة كبواب المسجد وفراشه استحق كمن أكره على عدم المباشرة وهذا كله حيث لا يمكن إعادته وإلا وجب على الناظر القطع عن المستحقين وإعادته إن أمكن وإلا نقل لأقرب المساجد إليه ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله مثله أو خيرا منه ) أي فيما يتعلق بتلك الوظيفة حتى لو كانت قراءة جزء مثلا وكان المستنيب عالما لا يشترط في النائب كونه عالما بل يكفي كونه يحسن قراءة الجزء كقراءة المستنيب عبارة سم قوله أو خيرا منه أي باعتبار المقصود من الوظيفة انتهت ا هـ ع ش ( قوله ويستحق المستنيب كل المعلوم ) أي وللنائب ما التزمه له صاحب الوظيفة وعليه فلو باشر شخص الوظيفة بلا استنابة من صاحبها لم يستحق المباشر لها عوضا لعدم التزامه له وكذا صاحب الوظيفة حيث لم يباشر لا شيء له إلا إذا منعه الناظر أو نحوه من المباشرة فيستحق لعذره في ترك المباشرة ومن هذا يؤخذ جواب حادثة وقع السؤال عنها وهي أن رجلا بينه وبين ولد أخيه إمامة شركة بمسجد ثم إن الرجل صار يباشر الإمامة من غير استنابة من ولد أخيه وهو أن ولد الأخ لا شيء له لعدم مباشرته ولا شيء للعم زيادة على ما يقابل نصفها المقرر هو فيه لأن العم حيث عمل بلا استنابة كان متبرعا وولد الأخ حيث لم يباشر ولم يستنب لا شيء له لأن الواقف إنما جعل المعلوم في مقابلة المباشرة فما يخص ولد الأخ يصرفه الناظر لمصالح المسجد فتنبه له فإنه يقع كثيرا ووقع من بعض أهل العصر إفتاء بخلاف ذلك فاحذره ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله وضعف ) أي السبكي ( قوله المستنيب ) و ( قوله والنائب ) بدل من قوله واحد منهما بدل مفصل من مجمل ( قوله ورد عليه ) أي على السبكي و ( قوله ذلك ) أي أخذه المذكور ( قوله لا كل أرباب إلخ ) عبارة المغني لأرباب الجاهات والجهالات في تولي المناصب الدينية واستنابة من لا يصلح أو يصلح بنزر يسير من المعلوم ويأخذ ذلك المستنيب مال الوقف على ممر الأعصار ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله واستنابة من إلخ ) عطف على أكل عطف سبب على مسببه ( قوله بنزر يسير ) متعلق بالاستنابة أي بشيء قليل ففي النزر تجريد بياني لأنه في الأصل بمعنى القليل كاليسير ( قوله ويرد إلخ ) أي الأذرعي ( بأنه ) أي السبكي سد ذلك الباب باشتراط كونه مثله إلخ هذا إذا كان مراد الأذرعي بأرباب الجهالات النياب وأما إن كان مراده بهم أرباب الوظائف بمعنى أنهم يأخذون الوظائف التي ليسوا أهلا لها ويستنيبون كما هو صريح عبارته فيرد بأن الكلام كله عند صحة التقرير في الوظيفة وذلك لا يكون إلا لمن هو أهل لها فتأمل ا هـ رشيدي ( قوله والزركشي إلخ ) عطف على الأذرعي ( قوله بشرط الحضور ) [ ص: 374 ] أي وأداء الوظيفة .

                                                                                                                              ( قوله أخذه ) أي السبكي ( قوله وقضيته ) أي كلام الزركشي ( قوله وقضية كلام الأذرعي خلافه ) وهو الأوجه عملا بالعرف المطرد بالمسامحة حينئذ شرح م ر وقوله م ر وهو الأوجه إلخ وليتأمل هذا مع ما تقدم قريبا من قوله م ر أي ولو بدون عذر فيما يظهر ا هـ سم أي فإن ما نقله عن الأذرعي حاصله منازعة من قال بالاستحقاق وأشار الرشيدي إلى الجواب عن نظر سم بما نصه قوله م ر حينئذ أي حين العذر وكون النائب مثل المستنيب أو خيرا منه وهذا لا ينافي ما استظهره فيما مر في قوله م ر أي ولو بدون عذر إلخ لأنه إذا صح مع عدم العذر فمعه أولى فاستيجاهه م ر صحيح فتأمل ا هـ أقول لا يخفى بعد هذا الجمع ويمكن أن يجاب أيضا بأن ما ذكره النهاية أولا مجرد استظهار لمراد السبكي فقط وما ذكره آخرا هنا بيان لما هو الراجح عنده وفاقا للشارح وخلافا للمغني عبارته والذي ينبغي أن يقال في ذلك أن هذه الوظائف إن كانت من بيت المال وكان من بيده مستحقا فهو يستحق معلومها سواء أحضر أم لا استناب أم لا وأما النائب إن جعل له معلوما في نيابته استحقه وإلا فلا وإن لم تكن من بيت المال أو كانت منه ولم يكن مستحقا فيه فما قاله المصنف هو الظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله حينئذ ) أي حين إذ وجد القيدان المذكوران ( قوله وعليه ) أي على هذا الاستثناء المتجه ( قوله صار إلخ ) أي المستنيب ( قوله ويؤخذ ) إلى قول المتن ، فإن فسخ في النهاية وكذا في المغني إلا قوله إن شاركه من أول العمل ( قوله أن المتفقه لا يجوز له الاستنابة إلخ ) اعتمد م ر جواز الاستنابة للمتفقه أيضا لأن المقصود إحياء البقعة بتعلم الفقه فيها وذلك حاصل مع الاستنابة وجوز أن يؤخذ من ذلك أن تجوز الاستنابة للأيتام المنزلين بمكاتب الأيتام فليتأمل سم على حج وفي حاشية شيخنا الزيادي مثل ما اعتمده م ر ولكن الأقرب ما قاله حج وقول سم للأيتام أي بشرط أن يكون يتيما مثله ا هـ ع ش ( قوله قال غيره ) عبارة المغني قال ابن شهبة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في غير الأتراك ) أي ملوك مصر من الجراكسة المملوكين لبيت المال ( قوله فيها ) الأولى التذكير ( قوله بجعل إلخ ) متعلق بقصد و ( قوله أو لنفسه إلخ ) عطف على للمالك و ( قوله أو لم يقصد إلخ ) عطف على قصد .

                                                                                                                              ( قوله وهو ) أي القسط و ( قوله إن قصد ) أي المشارك ش ا هـ سم ( قوله وثلاثة أرباعه إلخ ) وذلك لأن ما يخص العامل في مقابلة عمله النصف والنصف الآخر في مقابلة عمل المعاون له وقد خرج منه للعامل نصفه وهو الربع وإذا ضم الربع إلى النصف [ ص: 375 ] الذي استحقه العامل كان مجموع ذلك ما ذكر والربع الرابع يبقى للملتزم ومثل ذلك يقال في الثلثين فإن العامل يستحق في مقابلة عمله النصف وما تبرع به المعاون له ثلث النصف الذي فضل وذلك يضم إلى النصف الذي استحقه ومجموعهما الثلثان ا هـ ع ش قول المتن ( ولا شيء للمشارك إلخ ) ولو قال لواحد إن رددته فلك دينار ولآخر إن رددته أرضيك فرداه فللأول نصف الدينار وللآخر نصف أجرة مثل عمله ولو قال إن رددت عبدي فلك كذا فأمر رقيقه برده ثم أعتقه في أثناء العمل استحق كل الجعل كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى لإنابته إياه في العمل المذكور ولا يؤثر طريان حريته كما لو أعانه أجنبي فيه ولم يقصد المالك وأفتى أيضا في ولد قرأ عند فقيه مدة ثم نقل إلى فقيه آخر فطلع عنده سورة يعمل لها سرور كالأصاريف مثلا وحصل له فتوح بأنه للثاني ولا يشاركه فيه الأول انتهى شرح م ر ا هـ سم قال ع ش قوله استحق كل الجعل أي السيد ظاهره وإن قصد العبد نفسه بعد الحرية وقياس ما لو قصد المعاون نفسه حيث قلنا إن العامل إنما يستحق القسط سقوط ما يقابل عمل العبد من وقت إعتاقه وقوله فطلع عنده إلخ أي فقرأ عنده شيئا وإن قل ثم طلع سورة إلخ ا هـ وقال الرشيدي قوله كما لو أعانه إلخ قضية التشبيه أن العبد لو قصد المالك حينئذ أن السيد المعتق لا يستحق شيئا فليراجع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أي في حال مما ذكر إلخ ) نعم إن التزم له العامل بشيء لزمه له ا هـ مغني .




                                                                                                                              الخدمات العلمية