الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم أبو نصر بشر بن الحارث الحافي أصله من مرو  وسكن بغداد ومات بها وهو ابن أخت علي بن خشرم، مات سنة سبع وعشرين ومائتين ، وكان كبير الشأن، وكان سبب توبته أنه أصاب في الطريق كاغدة مكتوبا فيها اسم الله عز وجل ، قد وطئتها الأقدام فأخذها واشترى بدرهم كان معه غالية، فطيب بها الكاغدة وجعلها في شق حائط، فرأى فيما يرى النائم كأن قائلا يقول له: يا بشر ، طيبت اسمي لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله ، يقول: مر بشر ببعض الناس فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كله ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة ، فبكى بشر فقيل له في ذلك.

فقال إني لا أذكر أنى سهرت ليلة كاملة ولا أنى صمت يوما لم أفطر من ليلته، ولكن الله سبحانه وتعالى يلقي في القلوب أكثر مما يفعله العبد لطفا منه سبحانه وكرما، ثم ذكر ابتداء أمره كيف كان على ما ذكرناه.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي رحمه الله ، يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي ، يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم ، يقول: بلغني أن بشر بن الحارث الحافي ، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال لي: يا بشر ، أتدري لم رفعك الله من بين أقرانك؟ قلت: لا يا رسول الله، قال: باتباعك لسنتي ، وخدمتك للصالحين ، ونصيحتك لإخوانك ومحبتك لأصحابي ، وأهل بيتي، وهو الذي بلغك منازل الأبرار. [ ص: 49 ]

سمعت محمد بن الحسين رحمه الله ، يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي ، يقول: سمعت بلالا الخواص ، يقول: كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فتعجبت منه ثم ألهمت أنه الخضر عليه السلام فقلت له: بحق الحق من أنت؟

فقال: أخوك الخضر.

فقلت له: أريد أن أسألك فقال: سل.

فقلت: ما تقول في الشافعي رحمه الله؟ فقال: هو من الأوتاد ، فقلت: ما تقول في أحمد بن حنبل رضي الله عنه؟ قال: رجل صديق.

قلت: فما تقول في بشر بن الحارث الحافي؟ فقال: لم يخلق بعده مثله.

فقلت: بأي وسيلة رأيتك.

فقال: ببرك لأمك.  

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى ، يقول: أتى بشر الحافي باب المعافى بن عمران فدق عليه الباب فقيل: من فقال: بشر الحافي.

فقالت له: بنية من داخل الدار لو اشتريت لك نعلا بدانقين لذهب عنك اسم الحافي.

أخبرني بهذه الحكاية محمد بن عبد الله الشيرازي قال: حدثنا عبد العزيز بن الفضل ، قال: حدثني محمد بن سعيد قال: حدثني محمد بن عبد الله قال: سمعت عبد الله المغازلي يقول: سمعت بشرا الحافي يذكر هذه الحكاية.

وسمعت محمد بن الحسين ، يقول: سمعت أبا الحسين الحجاجي ، يقول: سمعت الحاملي ، يقول: سمعت الحسن المسوحي ، يقول: سمعت بشر بن الحارث يحكي هذه الحكاية. [ ص: 50 ]

وسمعت محمد بن الحسين ، يقول: سمعت أبا الفضل العطار ، يقول: سمعت أحمد بن علي الدمشقي ، يقول: قال لي أبو عبد الله بن الجلاء: رأيت ذا النون وكانت له العبارة، ورأيت سهلا وكانت له الإشارة، ورأيت بشر بن الحارث وكان له الورع، فقيل له فإلى من كنت تميل؟ فقال: لبشر بن الحارث أستاذنا.

وقيل: إنه اشتهى الباقلا سنين فلم يأكله فرئي في المنام بعد وفاته ، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وقال: كل يا من لم يأكل ، واشرب يا من لم يشرب.

أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله قال: أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى ، قال: حدثنا أبو عمرو بن السماك ، قال: حدثنا محمد بن العباس ، قال: حدثنا أبو بكر بن بنت معاوية قال: سمعت أبا بكر بن عفان يقول: سمعت بشر بن الحوت يقول: إني لأشتهي الشواء منذ أربعين سنة ما صفا لي ثمنه.  

وقيل لبشر: بأي شيء تأكل الخبز؟ فقال: أذكر العافية وأجعلها إداما .

أخبرنا به محمد بن الحسين رحمه الله تعالى قال: أخبرنا عبيد الله بن عثمان قال: أخبرنا أبو عمرو بن السماك قال: حدثنا عمرو بن سعيد قال: حدثنا ابن أبي الدنيا قال: قال رجل لبشر الحكاية المذكورة.

وقال بشر: لا يحتمل الحلال السرف.

ورئي بشر في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وأباح لي نصف الجنة، وقال لي: يا بشر ، لو سجدت لي على الجمر ما أديت شكر ما جعلته لك في قلوب عبادي.

وقال بشر: لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس.   [ ص: 51 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية