قال الإمام: لما أراد صحبة الخضر حفظ شرط الأدب؛ فاستأذن أولا في الصحبة، ثم شرط عليه الخضر أن لا يعارضه في شيء، ولا يعترض عليه في حكم، ثم لما خالفه موسى -عليه السلام- تجاوز عنه المرة الأولى والثانية، فلما صار إلى الثالثة، والثلاث آخر حد القلة وأول حد الكثرة سامه الفرقة، فقال: هذا فراق بيني وبينك .
أخبرنا قال: حدثنا أبو الحسين الأهوازي قال: حدثنا أحمد بن عبيد البصري أبو سالم القزاز قال: حدثنا يزيد بن بيان قال: حدثنا عن أبو الرجال ، قال: أنس بن مالك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله -تعالى- له من يكرمه عند سنه .
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق -رحمه الله- يقول: بدء كل فرقة المخالفة يعني به: أن من خالف شيخه لم يبق على طريقته، وانقطعت العلقة بينهما وإن جمعتهما البقعة، فمن صحب شيخا من الشيوخ، ثم اعترض عليه بقلبه فقد نقض عهد الصحبة، ووجبت عليه التوبة، على أن الشيوخ قالوا: عقوق الأستاذين لا توبة عنها.
سمعت الشيخ يقول: خرجت إلى أبا عبد الرحمن السلمي مرو في حياة شيخي الأستاذ أبي سهل الصعلوكي وكان له قبل خروجي أيام الجمعة بالغدوات مجلس دور القرآن والختم، فوجدته عند رجوعي قد رفع ذلك المجلس وعقد لأبي الغفاني في ذلك الوقت مجلس [ ص: 502 ] القول، فداخلني من ذلك شيء، فكنت أقول في نفسي: قد استبدل مجلس الختم بمجلس القول، فقال لي يوما: يا أبا عبد الرحمن ما يقول الناس في؟ فقلت: يقولون: رفع مجلس القرآن، ووضع مجلس القول، فقال: من قال لأستاذه لم؟ لا يفلح أبدا، ومن المعروف أن قال: دخلت على الجنيد يوما فأمرني شيئا، فقضيت حاجته سريعا، فلما رجعت إليه ناولني رقعة، وقال: هذا لمكان قضائك لحاجتي سريعا، فقرأت الرقعة فإذا فيها مكتوب: سمعت حاديا يحدو في البادية: السري
أبكي وهل يدريك ما يبكيني أبكي حذارا أن تفارقيني وتقطعي حبلي وتهجريني
ويحكى عن أبي الحسن الهمداني العلوي قال: كنت ليلة عند جعفر الخلدي وكنت أمرت في بيتي أن يعلق طير في التنور، وكان قلبي معه، فقال لي جعفر: أقم عندنا الليلة، فتعللت بشيء، ورجعت إلى منزلي، فأخرج الطير من التنور، ووضع بين يدي، فدخل كلب من الباب وحمل الطير عند تغافل الحاضرين، فأتى بالجوازب الذي تحته فتعلق به ذيل الخادمة فانصب، فلما أصبحت دخلت على جعفر، فحين وقع بصره علي قال: من لم يحفظ قلوب المشايخ سلط عليه كلب يؤذيه.
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي عبد الله بن علي الطوسي يقول: سمعت أبا عبد الله الدينوري يقول: سمعت الحسن الدامغاني يقول: سمعت عمي البسطامي يحكي عن أبيه: أن شقيقا البلخي ، وأبا تراب النخشبي قدما على فقدمت السفرة، وشاب يخدم أبي يزيد أبا يزيد فقالا له: كل معنا يا فتى، فقال: أنا صائم، فقال أبو تراب : كل ولك أجر صوم شهر فأبى، فقال : كل ولك أجر صوم سنة فأبى، فقال شقيق أبو يزيد : دعوا من سقط من عين الله -تعالى- فأخذ ذلك الشاب في السرقة بعد سنة فقطعت يده.
سمعت الأستاذ أبا علي يقول: وصف رجلا بالولاية خبازا [ ص: 503 ] سهل بن عبد الله بالبصرة فسمع رجل من أصحاب ذلك فاشتاق إليه، فخرج إلى سهل بن عبد الله البصرة فأتى حانوت الخباز، فرآه يخبز، وقد تنقب لمحاسنه على عادة الخبازين، فقال في نفسه: لو كان هذا وليا لم يحترق شعره بغير نقاب، ثم إنه سلم عليه وسأله شيئا، فقال الرجل: إنك استصغرتني فلا تنتفع بكلامي وأبى أن يكلمه.
سمعت الشيخ يقول: سمع أبا عبد الرحمن السلمي عبد الرحمن الرازي يصف أبا عثمان الحيري محمد بن الفضل البلخي ويمدحه فاشتاق إليه، فخرج إلى زيارته، فلم يقع بقلبه من محمد بن الفضل ما اعتقد، فرجع إلى أبي عثمان وسأله، فقال: كيف وجدته؟ فقال: لم أجده كما ظننت، فقال: لأنك استصغرته، وما استصغر أحد أحدا إلا حرم فائدته، ارجع إليه بالحرمة، فرجع إليه عبد الله فانتفع بزيارته.
ومن المشهور أن عمر بن عثمان المكي رأى الحسين بن منصور يكتب شيئا، فقال: ما هذا؟ فقال: هو ذا أعارض القرآن، فدعا عليه وهجره. قال الشيوخ: إن ما حل به بعد طول المدة كان لدعاء ذلك الشيخ عليه.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق -رحمه الله تعالى- يقول لما نفى أهل بلخ محمد بن الفضل من البلد دعا عليهم، وقال: اللهم امنعهم الصدق؛ فلم يخرج من بلخ بعده صديق .
سمعت أحمد بن يحيى الأبيوردي -رحمه الله تعالى- يقول: من رضي عنه شيخه لا يكافأ في حال حياته لئلا يزول عن قلبه تعظيم ذلك الشيخ، فإذا مات الشيخ أظهر الله -عز وجل- عليه ما هو جزاء رضاه، ومن تغير عليه قلب شيخه لا يكافأ في حال حياة ذلك الشيخ؛ لئلا يرق له، فإنهم مجبولون على الكرم، فإذا مات ذلك الشيخ فحينئذ يجد المكافأة بعده.
[ ص: 504 ]