الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الغيبة قال الله عز وجل: ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا الآية.

أخبرنا أبو سعيد محمد بن إبراهيم بن إسماعيل، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل، قال: حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا إسحاق بن عيسى بن بنت داود بن أبي هند، قال: حدثنا محمد بن أبي حميد، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة: أن رجلا قام وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك جالس، فقال بعض القوم: ما أعجز فلانا، فقال صلى الله عليه وسلم: أكلتم أخاكم واغتبتموه"

وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصرا عليها ، فهو أول من يدخل النار. وقال عوف: دخلت على ابن سيرين فتناولت الحجاج فقال ابن سيرين: إن الله تعالى حكم عدل فكما يأخذ من الحجاج يأخذ للحجاج وإنك إذا لقيت الله عز وجل غدا كان أصغر ذنب أصبته أشد عليك من أعظم ذنب أصابه الحجاج.

وقيل: دعي إبراهيم بن أدهم إلى دعوة فحضر فذكروا رجلا لم يأتهم فقالوا إنه ثقيل فقال إبراهيم: إنما فعل بي هذا نفسي حيث حضرت موضعا يغتاب فيه الناس فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام.

وقيل: مثل الذي يغتاب الناس كمثل من نصب منجنيقا يرمي به حسناته شرقا وغربا  يغتاب واحدا خراسانيا وآخر حجازيا وآخر تركيا فيفرق حسناته ويقوم ولا شيء معه. [ ص: 292 ] وقيل: يؤتى العبد يوم القيامة كتابه فلا يرى فيه حسنة ، فيقول: أين صلاتي وصيامي وطاعاتي؟ فيقال: ذهب عملك كله باغتيابك للناس. وقيل: من اغتيب بغيبة غفر الله تعالى له نصف ذنوبه. وقال سفيان بن الحسين: كنت جالسا عند إياس بن معاوية فنلت من إنسان فقال: هل غزوت العام الترك والروم؟ قلت: لا. فقال: سلم منك الترك والروم، وما سلم منك أخوك المسلم.

وقيل: يعطى الرجل كتابه فيرى فيه حسنات لم يعملها فيقال له: هذا بما اغتابك الناس وأنت لم تشعر. وسئل سفيان الثوري عن قوله صلى الله عليه وسلم إن الله يبغض أهل البيت اللحميين، فقال: هم الذين يغتابون الناس يأكلون لحومهم. وذكرت الغيبة عند عبد الله بن المبارك، فقال: لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت والدي لأنهما أحق بحسناتي. وقال يحيى بن معاذ: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تسره فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه. وقيل للحسن البصري: إن فلانا اغتابك فبعث إليه طبق حلواء، وقال بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك.

أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد البصري، قال: حدثنا أحمد بن عمرو القطواني، قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري، قال: حدثنا الربيع بن بدر، عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له".

سمعت حمزة بن يوسف السهمي، يقول: سمعت أبا طاهر محمد بن أسيد الرقي، يقول: سمعت جعفر بن محمد بن نصير، يقول: قال الجنيد: كنت جالسا في مسجد الشونيزية أنتظر جنازة أصلي عليها وأهل بغداد على [ ص: 293 ] طبقاتهم جلوس ينتظرون الجنازة فرأيت فقيرا عليه أثر النسك يسأل الناس فقلت في نفسي: لو عمل هذا عملا يصون به نفسه كان أجمل به فلما انصرفت إلى منزلي، وكان لي شيء من الورد بالليل حتى البكاء والصلاة وغير ذلك فثقل علي جميع أورادي فسهرت وأنا قاعد فغلبتني عيناي فرأيت ذلك الفقير جاءوا به على خوان ممدود وقالوا لي كل لحمه فقد اغتبته وكشف لي عن الحال فقلت: ما اغتبته إنما قلت في نفسي شيئا فقيل لي: ما أنت ممن يرضى منك بمثله اذهب فاستحله فأصبحت ولم أزل أتردد حتى رأيته في موضع يلتقط من الماء عند تزايد الماء أوراقا من البقل مما تساقط من غسل البقل فسلمت عليه فقال: يا أبا القاسم تعود؟ فقلت لا فقال: غفر الله تعالى لنا ولك.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا طاهر الإسفرايني يقول: سمعت أبا جعفر البلخي يقول: كان عندنا شاب من أهل بلخ وكان يجتهد ويتعبد إلا أنه كان أبدا يغتاب الناس يقول: فلان كذا وفلان كذا فرأيته يوما عند المخنثين الغسالين خرج من عندهم فقلت: يا فلان ما حالك؟ فقال: تلك الوقيعة في الناس أوقعتني إلى هذا ابتليت بمخنث من هؤلاء وأنا هو ذا أخدمهم من أجله وتلك الأحوال كلها قد ذهبت فادع الله أن يرحمني. [ ص: 294 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية