أخبرنا قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد، تمتام، قال: حدثنا محمد بن معاوية النيسابوري قال: حدثنا علي بن أبي علي بن عتبة بن أبي لهب عن عن محمد بن المنكدر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: جابر بن عبد الله "أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة".
ثم اعلم أن مخالفة النفس رأس العبادة. وقد سئل المشايخ عن الإسلام؟ فقالوا: ذبح النفس بسيوف المخالفة.
واعلم أن من نجمت طوارق نفسه أفلت شوارق أنسه. وقال مفاتح العبادة الفكرة وعلامة الإصابة مخالفة النفس والهوى ومخالفتها ترك شهواتهما. وقال ذو النون المصري: النفس مجبولة على سوء الأدب والعبد مأمور بملازمة الأدب فالنفس تجري بطبعها في ميدان المخالفة والعبد يردها بجهده عن سوء المطالبة فمن أطلق عنانها فهو شريكها معها في فسادها ابن عطاء:
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا بكر الرازي أبا عمر الأنماطي يقول: سمعت يقول: النفس الأمارة بالسوء هي الداعية إلى المهالك المعينة للأعداء المتبعة للهوى المتهمة بأصناف الأسواء. وقال الجنيد أبو حفص من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال ولم [ ص: 284 ] يجرها إلى مكروهها في سائر أيامه كان مغرورا ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها وكيف يصح لعاقل الرضا عن نفسه والكريم بن الكريم بن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل يقول: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء .
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين إبراهيم بن مقسم ببغداد يقول: سمعت يقول: قال ابن عطاء أرقت ليلة فقمت إلى وردي فلم أجد ما كنت أجده من الحلاوة فأردت أن أنام فلم أقدر عليه فقعدت فلم أطق القعود ففتحت الباب وخرجت فإذا رجل ملتف في عباءة مطروح على الطريق فلما أحس بي رفع رأسه وقال يا الجنيد: أبا القاسم إلى الساعة فقلت يا سيدي من غير موعد؟ قال: بلى قد سألت محرك القلوب أن يحرك إلي قلبك فقلت فقد فعل فما حاجتك؟ فقال: متى يصير داء النفس دواءها؟ فقلت إذا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها فأقبل على نفسه وقال اسمعي قد أجبتك بهذا الجواب سبع مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من وقد الجنيد سمعت ، وانصرف عني ولم أعرفه ، ولم أقف عليه بعد.
وقال أبو بكر الطمستاني: النعمة العظمى الخروج من النفس، لأن النفس أعظم حجاب بينك وبين الله عز وجل. وقال سهل: ما عبد الله بشيء مثل مخالفة النفس والهوى.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين، يقول: سمعت منصور بن عبد الله ، أبا عمر الأنماطي ، يقول: سمعت وقد سئل عن أقرب شيء إلى مقت الله تعالى ، فقال: [ ص: 285 ] ابن عطاء
رؤية النفس وأحوالها وأشد من ذلك مطالعة الأغراض على أفعالها. وسمعته يقول: سمعت الحسين بن يحيى ، يقول: سمعت جعفر بن نصير ، يقول: سمعت إبراهيم الخواص ، يقول: كنت في جبل اللكام فرأيت رمانا فاشتهيته فدنوت فأخذت منه واحدة فشققتها فوجدتها حامضة فمضيت وتركت الرمان فرأيت رجلا مطروحا قد اجتمع عليه الزنابير، فقلت: السلام عليك ، فقال: وعليك السلام يا إبراهيم، فقلت: كيف عرفتني؟ فقال: من عرف الله تعالى لا يخفى عليه شيء، فقلت: أرى لك حالا مع الله تعالى فلو سألته أن يحميك ويقيك الأذى من هذه الزنابير؟ فقال: وأنا أرى لك حالا مع الله تعالى فلو سألته أن يقيك شهوة الرمان فإن لدغ الرمان يجد ألمه الإنسان في الآخرة ولدغ الزنابير يجد ألمه في الدنيا. فتركته ومضيت.
وحكى عن أنه قال: ما بت تحت سقف ولا في موضع عليه غلق أربعين سنة وكنت أشتهي في أوقات أن أتناول شبعة عدس فلم يتفق فكنت وقتا إبراهيم بن شيبان، بالشام فحمل إلي غضارة فيها عدس فتناولت منه وخرجت فرأيت قوارير معلقة فيها شيء شبه نموذجات، فظننته خلا، فقال لي بعض الناس: إيش تنظر هذه نموذجات الخمر، وهذه الدنان خمر.
فقلت في نفسي: لزمني فرض فدخلت حانوت الخمار، ولم أزل أصب تلك الدنان، وهو يتوهم أني أصبها بأمر السلطان فلما علم حملني إلى ابن طولون، فأمر بضربي مائتي خشبة وطرحني في السجن فبقيت فيه مدة حتى دخل أبو عبد الله المغربي أستاذي ذلك البلد فشفع لي، فلما وقع بصره علي، قال: إيش فعلت؟ فقلت: شبعة عدس ومائتي خشبة فقال لي: نجوت مجانا.
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي، أبا العباس البغدادي، يقول: سمعت جعفر بن نصير، يقول: سمعت يقول: سمعت الجنيد، يقول [ ص: 286 ] وإن نفسي تطالبني منذ ثلاثين سنة أو أربعين سنة أن أغمس جزرة في دبس فما أطعتها وسمعته، يقول: سمعت جدي، يقول: آفة العبد رضاه من نفسه بما هو فيه. السري،
وسمعته يقول: سمعت يقول: سمعت محمد بن عبد الله الرازي، الحسين بن علي القرمسيني، يقول: وجه عصام بن يوسف البلخي شيئا إلى فقبله منه، فقيل له: لم قبله؟ فقال: وجدت في أخذه ذلي وعزه وفي رده عزي وذله فاخترت عزه على عزي، وذلي على ذله. حاتم الأصم
وقيل لبعضهم: إني أريد أن أحج على التجريد، فقال له: جرد أولا قلبك عن السهو ، ونفسك عن اللهو، ولسانك عن اللغو ثم اسلك حيث شئت.
وقال من أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن صدق في ترك شهوة كفي مؤنتها، والله أكرم من أن يعذب قلبا ترك شهوة لأجله. أبو سليمان الداراني:
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة.
ورؤي رجل جالسا في الهواء فقيل له بم نلت هذا؟ فقال: تركت الهوى فسخر لي الهواء وقيل: لو عرض للمؤمن ألف شهوة لأخرجها بالخوف ولو عرض للفاجر شهوة واحدة لأخرجته من الخوف. وقيل: لا تضع زمامك في يد الهوى فإنه يقودك إلى الظلمة. [ ص: 287 ] وقال يوسف بن أسباط: لا يمحو الشهوات من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق.
وقال الخواص: من ترك شهوة فلم يجد عوضها في قلبه فهو كاذب في تركها.
وقال جعفر بن نصير: دفع إلي درهما وقال اشتر لي به التين الوزيري فاشتريته له فلما أفطر أخذ واحدة ووضعها في فيه ثم ألقاها وبكى وقال: احمله فقلت له في ذلك فقال: هتف في قلبي أما تستحي شهوة تركتها من أجلي ثم تعود إليها وأنشدوا: الجنيد
نون الهوان من الهوى مسروقة وصريع هوى صريع هوان
واعلم أن للنفس أخلاقا ذميمة فمن ذلك الحسد.
[ ص: 288 ]