أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك -رحمه الله تعالى- قال: أخبرنا أحمد بن محمود بن خرزاذ قال: حدثنا مسيح بن حاتم العكلي قال: حدثنا الحجبي عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثنا ، عن حماد بن زيد سعيد بن سعيد بن حاتم العتكي ، عن ابن أبي صدقة ، عن ، عن محمد بن سيرين -رضي الله عنه- قال: أبي هريرة بينا رجل فيمن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، فقال لأهله: إذا مت فأحرقوني، ثم استحقوني، ثم ذروا نصفي في البر ونصفي في البحر في يوم ريح، ففعلوا، فقال الله -عز وجل- للريح: أدي ما أخذت، فإذا هو بين يديه فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: استحياء منك، فغفر له. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
قال الأستاذ: أيضا توحيد، ويقال: وحدته إذا وصفته بالوحدانية، كما يقال: شجعت فلانا إذا نسبته إلى الشجاعة، ويقال في اللغة: وحد يحد فهو واحد ووحد ووحيد، كما يقال: فرد فهو فارد وفرد وفريد. التوحيد هو الحكم بأن الله واحد، والعلم بأن الشيء واحد
وأصل أحد وحد فقلبت الواو همزة، والواو المفتوحة قد تقلب همزة كما تقلب المكسورة والمضمومة، ومنه امرأة أسماء، بمعنى وسماء من الوسامة، ومعنى كونه -سبحانه- واحدا على لسان العلم قيل: هو الذي لا يصح في وصفه الوضع والرفع، بخلاف قولك: إنسان واحد؛ لأنك تقول: إنسان بلا يد ولا رجل؛ فيصح رفع شيء منه، والحق -سبحانه- أحدي الذات بخلاف اسم الجملة الحاملة.
وقال بعض أهل التحقيق: معنى أنه واحد نفي القسيم لذاته، ونفي التشبيه عن حقه وصفاته، ونفي الشريك معه في أفعاله ومصنوعاته. [ ص: 463 ]
والتوحيد ثلاثة: توحيد الحق للحق، وهو علمه بأنه واحد، وخبره عنه بأنه واحد، والثاني: توحيد الحق -سبحانه- للخلق، وهو حكمه -سبحانه- بأن العبد موحد وخلقه توحيد العبد.
والثالث: توحيد الخلق للحق -سبحانه- وهو علم العبد بأن الله -عز وجل- واحد، وحكمه وإخباره عنه بأنه واحد.
فهذه جملة في معنى التوحيد على شرط الإيجاز والتحديد سمعت الشيخ واختلفت عبارات الشيوخ عن معنى التوحيد -رحمه الله- يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سمعت يقول: وقد سئل عن التوحيد فقال: أن تعلم أن قدرة الله تعالى في الأشياء بلا مزاج، وصنعه للأشياء بلا علاج، وعلة كل شيء صنعه، ولا علة لصنعه، ومهما تصور في نفسك شيء فالله -عز وجل- بخلافه. ذا النون المصري
وسمعته يقول: سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول: سمعت يقول: سمعت أحمد بن عطاء عبد الله بن صالح يقول: قال ليس لعلم التوحيد إلا لسان التوحيد. الجريري:
وسئل عن التوحيد فقال: إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته أنه الواحد الذي لم يلد ولم يولد، بنفي الأضداد والأنداد والأشباه بلا تشبيه، ولا تكييف، ولا تصوير، ولا تمثيل: الجنيد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
وقال : إذا تناهت عقول العقلاء في التوحيد تناهت إلى الحيرة. الجنيد
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين أبا الحسين بن مقسم يقول: سمعت يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول ذلك، وسئل الجنيد عن التوحيد فقال: معنى تضمحل فيه الرسوم، وتندرج فيه العلوم، ويكون الله -تعالى- كما لم يزل، وقال [ ص: 464 ] الجنيد الحصري : أصولنا في التوحيد خمسة أشياء:
رفع الحدث، وإفراد القدم، وهجر الإخوان، ومفارقة الأوطان، ونسيان ما علم وجهل.
سمعت منصور بن خلف المغربي يقول: كنت في صحن الجامع ببغداد -يعني: جامع المنصور- والحصري يتكلم في التوحيد، فرأيت ملكين يعرجان إلى السماء، فقال أحدهما لصاحبه: الذي يقول هذا الرجل علم التوحيد، والتوحيد غيره يعني: كنت بين اليقظة والنوم.
وقال فارس: التوحيد هو إسقاط الوسائط عند غلبة الحال، والرجوع إليها عند الأحكام، وأن الحسنات لا تغير الأقسام من الشقاوة والسعادة.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين أبا بكر بن شاذان يقول: سمعت يقول: التوحيد صفة الموحد حقيقة، وحلية الموحد رسما. الشبلي
وسئل عن توحيد الخاص فقال: أن يكون العبد شبحا بين يدي الله -سبحانه- تجري عليه تصاريف تدبيره في مجاري أحكام قدرته في لجج بحار توحيده بالفناء عن نفسه، وعن دعوة الخلق له، وعن استجابته بحقائق وجوده ووحدانيته، في حقيقة قربه بذهاب حسه وحركته لقيام الحق -سبحانه- له فيما أراد منه، وهو أن يرجع آخر العبد إلى أوله، فيكون كما كان قبل أن يكون. الجنيد
وسئل البوشنجي عن التوحيد فقال: غير مشبه الذوات، ولا منفي الصفات.
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله أبا الحسن العنبري يقول: سمعت يقول، وقد سئل عن ذات الله -عز وجل- فقال: ذات الله تعالى موصوفة بالعلم، غير مدركة بالإحاطة، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد، ولا إحاطة، ولا حلول، وتراه العيون في العقبى ظاهرا في ملكه وقدرته، قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته، ودلهم عليه بآياته؛ [ ص: 465 ] فالقلوب تعرفه، والعقول لا تدركه، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة، ولا إدراك نهاية. سهل بن عبد الله
وقال : أشرف كلمة في التوحيد ما قاله الجنيد -رضي الله عنه-: سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته. أبو بكر الصديق
قال الأستاذ أبو القاسم : ليس يريد الصديق -رضي الله عنه- أنه لا يعرف؛ لأن عند المحققين: العجز عجز عن الموجود دون المعدوم، كالمقعد عاجز عن قعوده؛ إذ ليس بكسب له ولا فعل، والقعود موجود فيه، كذلك العارف عاجز عن معرفته، والمعرفة موجودة فيه؛ لأنها ضرورية.
وعند هذه الطائفة المعرفة به -سبحانه- في الانتهاء ضرورية.
فالمعرفة الكسبية في الابتداء، وإن كانت معرفة على التحقيق، فلم يعدها الصديق -رضي الله عنه- شيئا بالإضافة إلى المعرفة الضرورية، كالسراج عند طلوع الشمس، وانبساط شعاعها عليه.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين أحمد بن سعيد البصري بالكوفة يقول: سمعت ابن الأعرابي يقول: قال : التوحيد الذي انفرد به الصوفية هو إفراد القدم عن الحدث، والخروج عن الأوطان، وقطع المحاب، وترك ما علم وجهل، وأن يكون الحق -سبحانه- مكان الجميع. الجنيد
وقال يوسف بن الحسين : من وقع في بحار التوحيد لا يزداد على ممر الأوقات إلا عطشا.
وقال : علم التوحيد مباين لوجوده، ووجوده مفارق لعمله. الجنيد
وقال أيضا: علم التوحيد طوي بساطه منذ عشرين سنة، والناس يتكلمون في حواشيه!. الجنيد
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين محمد بن أحمد الأصبهاني يقول: وقف رجل على الحسين بن منصور فقال: من الحق الذي يشيرون إليه؟ فقال: معل الأنام ولا يعتل.
[ ص: 466 ] وسمعته يقول: سمعت يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: من اطلع على ذرة من علم التوحيد ضعف عن حمل بقة لثقل ما حمله. الشبلي
سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سئل فقيل له: أخبرنا عن توحيد مجرد، وبلسان حق مفرد. الشبلي
فقال: ويحك!! من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد، ومن أشار إليه فهو ثنوي، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نطق فيه فهو غافل، ومن سكت عنه فهو جاهل، ومن توهم أنه واصل فليس له حاصل، ومن رأى أنه قريب فهو بعيد، ومن تواجد فهو فاقد، وكل ما ميزتموه بأوهامكم، وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف مردود إليكم، محدث مصنوع مثلكم.
وقال يوسف بن الحسين : توحيد الخاصة أن يكون بسره ووجده وقلبه كأنه قائم بين يدي الله -تعالى- يجري عليه تصاريف تدبيره، وأحكام قدرته في بحار توحيده بالفناء عن نفسه، وذهب حسه لقيام الحق -سبحانه- له في مراده منه، فيكون كما هو قبل أن يكون في جريان حكمه -سبحانه- عليه.
وقيل: التوحيد للحق -سبحانه- والخلق طفيلي.
وقيل: التوحيد إسقاط الياءات لا تقول: لي، وبي، ومني، وإلي.
وقيل لأبي بكر الطمستاني : ما التوحيد؟ فقال: توحيد، وموحد، وموحد، هذه ثلاثة.
قال رويم : التوحيد محو آثار البشرية، وتجرد الألوهية.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول في آخر عمره، وكان قد اشتدت به العلة فقال: من أمارات التأييد حفظ التوحيد في أوقات الحكم، ثم قال كالمفسر لقوله مشيرا إلى ما كان فيه من حاله: هو أن يقرضك بمقاريض القدرة في إمضاء الأحكام قطعة قطعة وأنت شاكر حامد.
[ ص: 467 ] وقال : ما شم روائح التوحيد من تصور عنده التوحيد. الشبلي
وقال : أول مقام لمن وجد علم التوحيد، وتحقق بذلك فناء ذكر الأشياء عن قلبه، وانفراده بالله -عز وجل-. أبو سعيد الخراز
وقال لرجل: أتدري لم لا يصح توحيدك؟ فقال: لا، فقال: لأنك تطلبه بك. الشبلي
وقال : علامة حقيقة التوحيد نسيان التوحيد، وهو أن يكون القائم به واحدا. ويقال: من الناس من يكون في توحيده مكاشفا بالأفعال يرى الحادثات بالله -تعالى-، ومنهم من هو مكاشف بالحقيقة فيضمحل إحساسه بما سواه، فهو يشاهد الجمع سرا بسر، وظاهره بوصف التفرقة. ابن عطاء
سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت علي بن محمد القزويني يقول: سمعت القنفذ يقول: سئل عن التوحيد فقال: سمعت قائلا يقول: الجنيد
وغنى لي من قلبي وغنيت كما غنى وكنا حينما كانوا وكانوا حينما كنا
فقال السائل: أهلك القرآن والأخبار؟ فقال: لا، ولكن الموحد يأخذ أعلى التوحيد من أدنى الخطاب وأيسره.
[ ص: 468 ]