الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب التصوف قال الأستاذ : الصفاء محمود بكل لسان وضده الكدورة وهي مذمومة ،

أخبرنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني قال : أخبرنا عبد الله بن يحيى الطلحي قال : حدثنا الحسين بن جعفر قال : حدثنا عبد الله بن نوفل قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن أبي جحيفة ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متغير اللون ، فقال : ذهب صفو الدنيا وبقي الكدر فالموت اليوم تحفة لكل مسلم ،

قال الأستاذ : هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال : رجل صوفي وللجماعة صوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له : متصوف وللجماعة المتصوفة وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس والاشتقاق والأظهر فيه أنه كاللقب فأما قول من قال إنه من الصوف وتصوف إذا لبس الصوف ، كما يقال : تقمص إذا لبس القميص فذلك وجه لكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ومن قال إنهم منسوبون إلى صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي

ومن قال : إنه من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة وقول من قال : إنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضرة من الله تعالى فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف ثم إن هذه الطائفة أشهر من أن يحتاج في تعيينهم إلى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق وتكلم الناس في التصوف ما معناه  وفي الصوفي من هو فكل عبر بما وقع له واستقصاء جميعه يخرجنا عن المقصود من الإيجاز وسنذكر بعض مقالاتهم فيه على حد التلويح إن شاء الله تعالى ، [ ص: 441 ]

سمعت محمد بن أحمد بن يحيى الصوفي يقول : سمعت عبد الله بن علي التميمي يقول : سئل أبو محمد الجريري عن التصوف فقال : الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني ،

سمعت عبد الرحمن بن يوسف الأصبهاني يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن عمار الهمداني يقول : سمعت أبا محمد المرعشي يقول سئل شيخي عن التصوف فقال : سمعت الجنيدي وقد سئل عنه فقال : هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به ،

سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت عبد الواحد بن محمد الفارسي يقول : سمعت أبا الفاتك يقول : سمعت الحسين بن منصور وقد سئل عن الصوفي فقال : وحداني الذات لا يقبله أحد ولا يقبل أحدا ،

وسمعته يقول : سمعت عبد الله بن محمد يقول : سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول : سمعت أبا علي الوراق يقول : سمعت أبا حمزة البغدادي يقول : علامة الصوفي الصادق  أن يفتقر بعد الغنى ويذل بعد العز ويخفى بعد الشهرة ، وعلامة الصوفي الكاذب  أن يستغني بعد الفقر ويعز بعد الذل ويشتهر بعد الخفاء ،

وسئل عمرو بن عثمان المكي عن التصوف فقال : أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في الوقت ،

وقال محمد بن علي القصاب : التصوف أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام ،

وسئل سمنون عن التصوف فقال : أن تملك شيئا ولا يملك شيئا ،

وسئل رويم عن التصوف فقال : استرسال النفس مع الله تعالى على ما يريد ،

وسئل الجنيد عن التصوف فقال : هو أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة ،

سمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول : سمعت أبا نصر السراج الطوسي يقول : أخبرني محمد بن الفضل قال : سمعت علي بن عبد الرحيم الواسطي يقول : سمعت رويم بن أحمد البغدادي يقول : التصوف مبني على ثلاث خصال :  التمسك بالفقر والافتقار ، والتحقق بالبذل والإيثار ، وترك التعرض والاختيار ،

وقال معروف الكرخي : التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق ، [ ص: 442 ]

وقال حمدون القصار : اصحب الصوفية فإن للقبيح عندهم وجوها من المعاذير وليس للحسن عندهم كبير موقع يعظمونك به ،

وسئل الخراز عن أهل التصوف فقال : أقوام أعطوا حتى بسطوا ومنعوا حتى فقدوا ثم نودوا من أسرار قريبة ألا فابكوا علينا وقال الجنيد : التصوف عنوة لا صلح فيها ،

وقال أيضا : هم أهل بيت واحد لا يدخل فيهم غيرهم ،

وقال أيضا : التصوف ذكر مع اجتماع ووجد مع استماع وعمل مع اتباع ،

وقال أيضا : الصوفي كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح ،

وقال أيضا : إنه كالأرض يطؤها البر والفاجر وكالسحاب يظل كل شيء وكالقطر يسقي كل شيء ،

وقال إذا رأيت الصوفي يعنى بظاهره فاعلم أن باطنه خراب ،

وقال سهل بن عبد الله : الصوفي من يرى دمه هدرا وملكه مباحا ،

وقال النوري : نعت الصوفي  الكون عند العدم والإيثار عند الوجود ،

وقال الكتاني : التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء ،

وقال أبو علي الروذباري : التصوف الإناخة على باب الحبيب وإن طرد عنه ،

وقال أيضا : صفوة القرب بعد كدورة البعد ،

وقيل : أقبح من كل قبيح صوفي شحيح ،

وقيل : التصوف كف فارغ وقلب طيب ،

وقال الشبلي : التصوف الجلوس مع الله بلا هم ،  

وقال أبو منصور : الصوفي المشير عن الله عز وجل فإن الخلق أشاروا إلى الله تعالى ،

وقال الشبلي : الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق كقوله تعالى : واصطنعتك لنفسي قطعه عن كل غير ثم قال : لن تراني

[ ص: 443 ] وقال أيضا : الصوفية أطفال في حجر الحق ،

وقال أيضا : التصوف برقة محرقة ،

وقال أيضا : هو العصمة عن رؤية الكون وقال رويم : ما تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا فلا خير فيهم وقال الجريري : التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب ،

وقال المزين : التصوف الانقياد للحق ،  

وقال أبو تراب النشخبي : الصوفي لا يكدره شيء ويصفو به كل شيء ،

وقيل : الصوفي لا يتبعه طلب ولا يزعجه سبب ،

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : سمعت أبا نصر السراج يقول : سئل ذو النون عن التصوف فقال : هم قوم آثروا الله عز وجل على كل شيء فآثرهم الله عز وجل على كل شيء ،

وقال الواسطي : كان للقوم إشارات ثم صارت حركات ثم لم يبق إلا حسرات ،

وسئل النووي عن الصوفي فقال : من سمع السماع وآثر الأسباب ،

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : سمعت أبا نصر السراج يقول قلت : للحصري من الصوفي عندك ؟ فقال : الذي لا تقله الأرض ولا تظله السماء قال الأستاذ أبو القاسم : إنما أشار إلى حال المحو ، وقيل : الصوفي من إذا استقبله حالان أو خلقان كلاهما حسن كان مع الأحسن ، وسئل الشبلي لم سموا بهذه التسمية ؟ فقال : لبقية بقيت عليهم من نفوسهم ولولا ذلك لما تعلقت بهم تسمية ،

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : سمعت أبا نصر السراج يقول : سئل ابن الجلاء [ ص: 444 ] ما معنى صوفي  فقال : ليس نعرفه في شرط العلم ولكن نعرف فقيرا مجردا من الأسباب كان مع الله تعالى بلا مكان ولا يمنعه الحق سبحانه من علم كل مكان فسمي صوفيا وقال بعضهم : التصوف إسقاط الجاه وسواد الوجه في الدنيا والآخرة وقال أبو يعقوب المزايلي : التصوف حال تضمحل فيها معالم الإنسانية وقال أبو الحسن السيرواني : الصوفي يكون مع الواردات لا مع الأوراد ،

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول : أحسن ما قيل في هذا الباب قول من قال هذا طريق لا يصلح إلا لأقوام قد كنس الله بأرواحهم المزابل وقال رحمه الله تعالى يوما : لم يكن للفقير إلا روح فعرضها على كلاب هذا الباب فلم ينظر كلب إليها وقال الأستاذ أبو سهل الصعلوكي رحمه الله تعالى التصوف الإعراض عن الاعتراض  وقال الحصري : الصوفي لا يوجد بعد عدمه ولا يعدم بعد وجوده قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : وهذا فيه إشكال ، ومعنى قوله لا يوجد بعد عدمه أي إذا فنيت آفاته لا تعود تلك الآفات ، وقوله : ولا يعدم بعد وجوده يعني إذا اشتغل بالحق لم يسقط بسقوط الخلق فالحادثات لا تؤثر فيه ويقال : الصوفي المصطلم عنه بما لاح له من الحق ويقال : الصوفي مقهور بتصريف الربوبية مستور بتصرف العبودية ويقال : الصوفي لا يتغير فإن تغير لا يتكدر ،

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن يقول : سمعت الحسين بن أحمد الرازي يقول : سمعت أبا بكر المصري يقول : سمعت الخراز يقول : كنت في جامع قيروان يوم جمعة فرأيت رجلا يدور في الصف ويقول تصدقوا علي فقد كنت صوفيا فضعفت فرفقته بشيء فقال لي : مر ويلك ليس من ذلك ولم يقبل الرفق ، [ ص: 445 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية