ومن ذلك:
الخواطر
وهو قد يكون بإلقاء ملك وقد يكون بإلقاء شيطان ويكون أحاديث النفس ويكون من قبل الحق سبحانه. والخواطر خطاب يرد على الضمائر
فإذا كان من الملك فهو الإلهام وإذا كان من قبل النفس قيل له الهواجس وإذا كان من قبل الشيطان فهو الوسواس وإذا كان من قبل الله سبحانه وإلقائه في القلب فهو خاطر حق.
وجملة ذلك من قبيل الكلام فإذا كان من قبل الملك فإنما يعلم صدقه بموافقة العلم ولهذا قالوا كل خاطر لا يشهد له ظاهر فهو باطل.
وإذا كان من قبل الشيطان فأكثره يدعو إلى المعاصي وإذا كان من قبل النفس فأكثره يدعو إلى اتباع شهوة أو استشعار كبر أو ما هو من خصائص أوصاف النفس.
واتفق المشايخ على أن من كان أكله من الحرام لم يفرق بين الإلهام والوسواس وسمعت الشيخ أبا علي الدقاق يقول: من كان قوته معلوما لم يفرق بين الإلهام والوسواس وأن من سكنت عنه هواجس نفسه بصدق مجاهدته نطق بيان قلبه بحكم مكابدته وأجمع الشيوخ على أن النفس لا تصدق وأن القلب لا يكذب.
[ ص: 198 ] وقال بعض المشايخ: إن نفسك لا تصدق وقلبك لا يكذب ولو اجتهدت كل الجهد أن تخاطبك روحك لم تخاطبك وفرق بين هواجس النفس ووساوس الشيطان بأن النفس إذا طالبتك بشيء ألحت فلا تزال تعاودك ولو بعد حين حتى تصل إلى مرادها ويحصل مقصودها اللهم إلا أن يدوم صدق المجاهدة ثم إنها تعاودك وتعاودك وأما الشيطان إذا دعاك إلى زلة فخالفته بترك ذلك يوسوس بزلة أخرى، لأن جميع المخالفات له سواء وإنما يريد أن يكون داعيا أبدا إلى زلة ما ولا غرض له في تخصيص واحد دون واحد. الجنيد
وقيل: كل خاطر يكون من الملك فربما يوافقه صاحبه وربما يخالفه فأما خاطر يكون من الحق سبحانه فلا يحصل خلاف من العبد له.
وتكلم الشيوخ في الخاطر الثاني إذا كان الخاطران من الحق سبحانه هل هو أقوى من الأول؟ فقال الخاطر الأول أقوى لأنه إذا بقي رجع صاحبه إلى التأمل وهذا بشرط العلم فترك الأول يضعف الثاني. الجنيد:
وقال الثاني أقوى لأنه ازداد قوة بالأول وقال ابن عطاء أبو عبد الله بن خفيف من المتأخرين هما سواء، لأن كليهما من الحق فلا مزية لأحدهما على الآخر.
والأول لا يبقى في حال وجود الثاني، لأن الآثار لا يجوز عليها البقاء.
[ ص: 199 ]