الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم أبو محمد سهل بن عبد الله التستري أحد أئمة القوم ، لم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع  ، وكان صاحب كرامات ، لقي ذا النون المصري بمكة سنة خروجه إلى الحج، توفي كما قيل سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقيل: ثلاث وسبعين ومائتين.

وقال سهل: كنت ابن ثلاث سنين وكنت أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار ، وكان يقوم بالليل فربما كان يقول لي: يا سهل اذهب فنم، فقد شغلت قلبي.

سمعت محمد بن الحسين رحمه الله يقول: سمعت أبا الفتح يوسف بن عمر الزاهد يقول: سمعت عبد الله بن عبد الحميد يقول: سمعت عبد الله بن لؤلؤ يقول: سمعت عمر بن واصل البصري يحكي عن سهل بن عبد الله قال: قال لي خالي يوما ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟   .

فقال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهدي، فقلت ذلك ثلاث ليال ثم أعلمته.

فقال لي: قل في كل ليلة إحدى عشرة مرة فقلت ذلك، فوقع في قلبي له حلاوة، فلما كان بعد سنة.

قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لها حلاوة في سري، ثم قال لي خالي يوما: يا سهل من كان الله معه وهو ناظر إليه وشاهد أيعصيه؟ إياك والمعصية، [ ص: 60 ] فكنت أخلو فبعثوني إلى الكتاب فقلت: إني لأخشى أن يتفرق علي همي ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة فأتعلم ثم أرجع، فمضيت إلى الكتاب وحفظت القرآن وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر وقوتي خبز الشعير إلى أن بلغت اثنتي عشرة سنة، فوقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشرة، فسألت أهلي أن يبعثوني إلى البصرة أسأل عنها، فجئت البصرة وسألت علماءها فلم يشف أحد منهم عني شيئا، فخرجت إلى عبادان على رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن عبد الله العباداني فسألته عنها فأجابني وأقمت عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بآدابه، ثم رجعت إلى تستر فجعلت قوتي اقتصارا على أن يشترى لي بدرهم من الشعير (الفرق) فيطحن ويخبز لي فأفطر عند السحر كل ليلة على أوقية واحدة بحتا، بغير ملح ولا إدام فكان يكفيني ذلك الدرهم سنة، ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال ثم أفطر ليلة، ثم خمسا، ثم سبعا، ثم خمسا وعشرين ليلة، وكنت عليه عشرين سنة، ثم خرجت أسيح في الأرض سنين، ثم رجعت إلى تستر وكنت أقوم الليل كله.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا العباس البغدادي يقول: سمعت إبراهيم بن فراس يقول: سمعت نصر بن أحمد يقول: قال سهل بن عبد الله: كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء طاعة كان أو معصية فهو عيش النفس، وكل فعل يفعله بالاقتداء فهو عذاب على النفس. [ ص: 61 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية