الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

فإن قيل: فما الغالب على الولي في حال صحوه؟  قيل: صدقه في أداء حقوقه -سبحانه-، ثم رفقه وشفقته على الخلق في جميع أحواله، ثم انبساط رحمته لكافة الخلق، ثم دوام تحمله عنهم بجميل الخلق، وابتدائه لطلب الإحسان من الله -عز وجل- إليهم من غير التماس منهم، وتعليق الهمة بنجاة الخلق، وترك الانتقام منهم، والتوقي عن استشعار حقد عليهم مع قصر اليد عن أموالهم، وترك الطمع بكل وجه، وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم، والتصاون عن شهود مساويهم، ولا يكون خصما لأحد في الدنيا ولا في الآخرة.

[ ص: 526 ]

واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء:  دوام التوفيق للطاعات، والعصمة عن المعاصي والمخالفات، ومما يشهد من القرآن على إظهار الكرامات على الأولياء قوله -سبحانه- في صفة مريم -عليها السلام- ولم تكن نبيا ولا رسولا: كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا وكان يقول: أنى لك هذا فتقول مريم: هو من عند الله وقوله سبحانه: وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا وكان في غير أوان الرطب، وكذلك قصة أصحاب الكهف والأعاجيب التي ظهرت عليهم من كلام الكلب معهم، وغير ذلك، ومن ذلك قصة ذي القرنين وتمكينه -سبحانه- له ما لم يمكن لغيره، ومن ذلك: ما أظهر على يدي الخضر -عليه السلام- من إقامة الجدار وغيره من الأعاجيب، وما كان يعرفه مما خفي على موسى -عليه السلام- كل ذلك أمور ناقضة للعادة اختص الخضر -عليه السلام- بها ولم يكن نبيا، وإنما كان وليا.

ومما روي من الأخبار في هذا الباب حديث جريج الراهب ، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني قال: أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إبراهيم بن إسحاق قال: حدثنا عمار بن رجاء قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة:  عيسى ابن مريم، وصبي في زمن جريج ، وصبي آخر، فأما عيسى فقد عرفتموه، وأما جريج فكان رجلا عابدا في بني إسرائيل، وكانت له أم فكان يوما يصلي؛ إذ اشتاقت إليه أمه، فقالت: يا جريج ، فقال: يا رب الصلاة خير أم آتيها؟، ثم صلى فدعته، فقال مثل ذلك، ثم صلى فاشتد على أمه، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكانت زانية في بني إسرائيل، فقالت لهم: أنا أفتن جريجا حتى يزني، فأتته فلم تقدر على شيء، وكان راع يأوي بالليل إلى أصل صومعته، فلما أعياها راودت الراعي على نفسها فأتاها فولدت، ثم قالت: ولدي هذا من جريج ، فأتاه بنو إسرائيل وكسروا صومعته وشتموه، ثم إنه صلى ودعا، ثم نخس الغلام.

[ ص: 527 ]

قال محمد : قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال بيده: يا غلام من أبوك؟ ، فقال: الراعي، فندموا على ما كان منهم واعتذروا إليه، وقالوا: نبني صومعتك من ذهب، أو قال: من فضة، فأبى عليهم وبناها كما كانت.

وأما الصبي الآخر فإن امرأة كان معها صبي لها ترضعه؛ إذ مر بها شاب جميل الوجه ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فقال الصبي: اللهم لا تجعلني مثله.

قال محمد : قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين كان يحكي الغلام وهو يرضع، ثم مرت بها أيضا امرأة ذكروا أنها سرقت وزنت وعوقبت، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت له أمه في ذلك، فقال: إن الشاب جبار من الجبابرة، وإن هذه قيل إنها زنت، ولم تزن، وقيل: سرقت ولم تسرق، وهي تقول: حسبي الله
.

وهذا الخبر روي في الصحيح، ومن ذلك حديث الغار  وهو مشهور ومذكور في الصحاح.

أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني قال: حدثنا أبو عوانة يعقوب بن إبراهيم بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن عوف ، ويزيد بن عبد الصمد الدمشقي ، وعبد الكريم بن القاسم الديرعاقولي ، وأبو الخصيب بن المستنير المصيصي ، قالوا: حدثنا أبو اليمان قال حدثنا شعيب عن الزهري عن سالم، عن أبيه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم، فآواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه والله لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله -تعالى- بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فعاقني طلب الشجر يوما، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فجئتهما به فوجدتهما نائمين، فتحرجت أن أوقظهما، وكرهت أن [ ص: 528 ] أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فقمت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت انفراجا لا يستطيعون الخروج منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي بنت عم، وكانت أحب الناس إلي فراودتها عن نفسها فامتنعت، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجورهم غير رجل واحد منهم ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أد إلي أجرتي، فقلت له: كل ما ترى من أجرتك من الإبل والغنم والبقر والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذ ذلك كله فاستاقه ولم يترك منه شيئا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة، فخرجوا من الغار يمشون
.

ومن ذلك الحديث الذي قال -صلى الله عليه وسلم- فيه: إن البقرة كلمتهم  

أخبرنا أبو نعيم الإسفراييني قال: أخبرنا أبو عوانة قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال: حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " بينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها التفتت البقرة وقالت: أما إني لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله، فقال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر

ومن ذلك حديث أويس القرني وما شهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من حاله وقصته، ثم التقاؤه مع هرم بن حيان ، وتسليم أحدهما على صاحبه من غير معرفة تقدمت بينهما، وكل ذلك أحوال ناقضة للعادة، وتركنا حديث أويس لشهرته.

[ ص: 529 ] وقد ظهر على السلف من الصحابة والتابعين، ثم على من بعدهم من الكرامات ما بلغ حد الاستفاضة.

وقد صنف في ذلك كتب كثيرة سنشير إلى طرف منها على وجه الإيجاز إن شاء الله -عز وجل-.

فمن ذلك: أن ابن عمر كان في بعض الأسفار، فلقي جماعة وقفوا على الطريق من خوف السبع، فطرد السبع من طريقهم، ثم قال: إنما يسلط على ابن آدم ما يخافه، ولو أنه لم يخف غير الله لما سلط عليه شيء، وهذا خبر معروف.

وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث العلاء بن الحضرمي في غزاة، فحال بينه وبين الموضع قطعة من البحر، فدعا الله باسمه الأعظم ومشوا على الماء.

وروي أن عتاب بن بشير وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأضاء لهما رأس عصا أحد كالسراج.

وروي أنه كان بين يدي سلمان وأبي الدرداء قصعة فسبحت حتى سمعا التسبيح.

وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره  ولم يفرق بين شيء وشيء فيما يقسم به على الله سبحانه، وهذه الأخبار لشهرتها أضربنا عن ذكر أسانيدها.

وحكي عن سهل بن عبد الله أنه قال: من زهد في الدنيا أربعين يوما صادقا من قلبه مخلصا في ذلك ظهرت له الكرامات، ومن لم تظهر له فلعدم الصدق في زهده، فقيل لسهل: كيف تظهر له الكرامة؟ ، فقال: يأخذ ما يشاء كما يشاء من حيث يشاء.

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال: حدثنا أحمد بن عبيد الصفار قال: حدثنا أبو مسلم قال: حدثنا عمرو بن مرزوق قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون قال: حدثنا وهب بن كيسان ، عن ابن عمر ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: بينا رجل ذكر كلمة [ ص: 530 ] إذ سمع رعدا في السحاب، فسمع صوتا في السحاب: أن اسق حديقة فلان، فجاء ذلك السحاب إلى سرحة، فأفرغ ماءه فيها فاتبع السحاب، فإذا رجل قائم يصلي في حديقة، فقال: ما اسمك؟ ، فقال: فلان ابن فلان باسمه. قال: فما تصنع بحديقتك هذه إذ صرمتها؟ قال: ولم تسأل عن ذلك؟ قال: إني سمعت صوتا في السحاب: أن اسق حديقة فلان. قال: أما إذا قلت فإني أجعلها أثلاثا: فأجعل لنفسي وأهلي ثلثا، وأرد عليها ثلثا، وأجعل للمساكين وابن السبيل ثلثا .

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: دخلنا تستر فرأينا في قصر سهل بن عبد الله بيتا كان الناس يسمونه بيت السباع، فسألنا الناس عن ذلك، فقالوا: كان السباع تجيء إلى سهل وكان يدخلهم هذا البيت ويضيفهم ويطمعهم اللحم، ثم يخليهم.  

قال أبو نصر : ورأيت أهل تستر كلهم متفقين على هذا لا ينكرونه، وهم الجمع الكثير.

سمعت محمد بن أحمد بن محمد التميمي يقول: سمعت عبد الله بن علي الصوفي يقول: سمعت حمزة بن عبد الله العلوي يقول: دخلت على أبي الخير التيناني وكنت اعتقدت في نفسي أن أسلم عليه وأخرج ولا آكل عنده طعاما، فلما خرجت من عنده، ومشيت قدرا فإذا به خلفي، وقد حمل طبقا عليه طعام، فقال: يا فتى كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك.

وأبو الخير التيناني مشهور بالكرامات.  

وحكي عن إبراهيم الرقي أنه قال: قصدته مسلما عليه فصلى صلاة المغرب، فلم يقرأ الفاتحة مستويا فقلت في نفسي: ضاعت سفرتي، فلما سلمت خرجت للطهارة فقصدني السبع، فعدت إليه وقلت: إن الأسد قصدني، فخرج وصاح على الأسد، وقال: ألم أقل لك لا تتعرض لضيافتي؟ وتنحى، وتطهرت، فلما رجعت قال: اشتغلتم بتقويم الظواهر فخفتم الأسد، واشتغلنا بتقويم القلب فخافنا الأسد.

[ ص: 531 ]

وقيل: كان لجعفر الخلدي فص فوقع يوما في دجلة، وكان عنده دعاء مجرب للضالة ترد، فدعا به، فوجد الفص في وسط أوراق كان يتصفحها.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: إن ذلك الدعاء: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي.

قال أبو نصر السراج : أراني أبو الطيب العكي جزءا ذكر فيه من ذكر هذا الدعاء على ضالة وجدها، وكان الجزء أوراقا كثيرة.

سألت أحمد الطابراني السرخسي -رحمه الله تعالى- فقلت له: هل ظهر لك شيء من الكرامات؟ ، فقال: في وقت إرادتي وابتداء أمري، ربما كنت أطلب حجرا أستنجي به، فلم أجد فتناولت شيئا من الهواء، فكان جوهرا فاستنجيت به وطرحته، ثم قال: وأي خطر للكرامات؟ إنما المقصود منه زيادة اليقين في التوحيد، فمن لا يشهد غيره موجدا في الكون فسواء أبصر فعلا معتادا أو ناقضا للعادة.

سمعت محمد بن أحمد الصوفي يقول: سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت أبا الحسين البصري يقول: كان بعبادان رجل أسود فقير يأوي إلى الخرابات، فحملت معي شيئا وطلبته، فلما وقعت عينه علي تبسم وأشار بيده إلى الأرض، فرأيت الأرض كلها ذهبا تلمع، ثم قال: هات ما معك فناولته وهالني أمره وهربت.

سمعت منصورا المغربي يقول: سمعت أحمد بن عطاء الروذباري يقول: كان لي استقصاء في أمر الطهارة، فضاق صدري ليلة لكثرة ما صببت من الماء، ولم يسكن قلبي فقلت: يا رب عفوك، فسمعت هاتفا يقول: العفو في العلم، فزال عني ذلك.

سمعت منصورا المغربي يقول: فرأيته يوما قعد على الأرض في الصحراء، وكان عليها آثار الغنم بلا سجادة فقلت: أيها الشيخ هذه آثار الغنم، فقال: اختلف الفقهاء فيه.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سمعت الحسين بن أحمد الرازي يقول: سمعت أبا سليمان الخواص يقول: كنت راكبا حمارا يوما وكان الذباب [ ص: 532 ] يؤذيه فيطأطئ رأسه، فكنت أضرب رأسه بخشبة في يدي، فرفع الحمار رأسه وقال: اضرب فإنك على رأسك هو ذا تضرب.

قال الحسين : فقلت لأبي سليمان : لك وقع هذا؟ فقال: نعم كما تسمعني.

وذكر عن ابن عطاء أنه قال: سمعت أبا الحسن النوري يقول: كان في نفسي شيء من هذه الكرامات، فأخذت قصبة من الصبيان وقعت بين زورقين، ثم قلت: وعزتك لئن لم يخرج لي سمكة فيها ثلاثة أرطال لأغرقن نفسي، قال: فخرج لي سمكة فيها ثلاثة أرطال، فبلغ ذلك الجنيد ، فقال: كان حكمه أن تخرج له أفعى تلدغه.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي ، يقول: سمعت أبا الفتح يوسف بن عمر الزاهد القواس ببغداد يقول: حدثنا محمد بن عطية قال: حدثنا عبد الكبير بن أحمد قال: سمعت أبا بكر الصائغ قال: سمعت أبا جعفر الحداد أستاذ الجنيد قال: كنت بمكة فطال شعري ولم يكن معي قطعة من الحديد آخذ بها شعري، فتقدمت إلى مزين توسمت فيه الخير وقلت: تأخذ شعري لله تعالى؟ ، فقال: نعم، وكرامة، وكان بين يديه رجل من أبناء الدنيا فصرفه وأجلسني، وحلق شعري، ثم دفع إلي قرطاسا فيه دراهم، وقال: استعن بها على بعض حوائجك، فأخذتها واعتقدت أن أدفع إليه أول شيء يفتح علي به.

قال: فدخلت المسجد فاستقبلني بعض إخواني، وقال لي: جاء بعض إخوانك بصرة من البصرة من بعض إخوانك فيها ثلاث مائة دينار.

قال: فأخذت الصرة وحملتها إلى المزين وقلت: هذه ثلاث مائة دينار تصرفها في بعض أمورك، فقال لي: ألا تستحي يا شيخ؟ تقول لي: احلق شعري لله، ثم آخذ عليه شيئا، انصرف عافاك الله.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سمعت ابن سالم يقول: لما مات إسحاق بن أحمد دخل سهل بن عبد الله صومعته، فوجد فيها سفطا فيه قارورتان، في واحدة منهما شيء أحمر، وفي الأخرى شيء أبيض، ووجد شوشقة ذهب وشوشقة فضة. قال: فرمى بالشوشقتين في الدجلة، وخلط ما في القارورتين [ ص: 533 ] بالتراب، وكان على إسحاق دين

قال ابن سالم : قلت لسهل : إيش كان في القارورتين؟ قال: إحداهما لو طرح منها وزن درهم على مثاقيل من النحاس صار ذهبا، والأخرى لو طرح منها مثقال على مثاقيل من الرصاص صار فضة، فقلت: إيش عليه لو قضى منه دينه؟ فقال: أي "دوست" خاف على إيمانه.

وحكي عن النوري أنه خرج ليلة إلى شط دجلة، فوجدها وقد التزق الشطان فانصرف، وقال: وعزتك لا أجوزها إلا في زورق.

سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: أملى علينا الوجيهي حكاية عن محمد بن يوسف البناء قال: كان أبو تراب النخشبي صاحب كرامات  فسافرت معه سنة، وكان معه أربعون نفسا، ثم أصابتنا مرة فاقة، فعدل أبو تراب عن الطريق وجاء بعذق موز فتناولنا وفينا شاب فلم يأكل، فقال له أبو تراب : كل، فقال: الحال الذي اعتقدته ترك المعلومات، وصرت أنت معلومي فلا أصحبك بعد هذا، فقال له أبو تراب : كن مع ما وقع لك.

وحكى أبو نصر السراج عن أبي يزيد قال: دخل علي أبو علي السدي وكان أستاذه وبيده جراب فصبها فإذا هي جواهر، فقلت: من أين لك هذا؟ فقال: وافيت واديا هاهنا، فإذا هو يضيء كالسراج، فحملت هذا فقلت: فكيف كان وقتك الذي وردت فيه الوادي؟ فقال: وقت فترة عن الحال التي كنت فيها، وقيل لأبي يزيد: فلان يمشي في ليلة إلى مكة، فقال: الشيطان يمشي في ساعة من المشرق إلى المغرب في لعنة الله.

وقيل له: فلان يمشي على الماء ويطير في الهواء، فقال الطير: يطير في الهواء، والسمك يمر على وجه الماء.

[ ص: 534 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية