جمع الجمع
وجمع الجمع فوق هذا ويختلف الناس في هذه الجملة على حسب تباين أحوالهم وتفاوت درجاتهم فمن أثبت نفسه وأثبت الخلق ولكن شاهد الكل قائما بالحق، فهذا هو جمع. وإذا كان مختطفا عن شهود الخلق مصطلما عن نفسه مأخوذا بالكلية عن الإحساس بكل غير بما ظهر واستولى من سلطان الحقيقة فذاك جمع الجمع.
فالتفرقة: شهود الأغيار لله عز وجل والجمع شهود الأغيار بالله. وجمع الجمع الاستهلاك بالكلية وفناء الإحساس بما سوى الله عز وجل عند غلبات الحقيقة وبعد هذا حال عزيزة يسميها القوم:
الفرق الثاني
وهو أن يرد للعبد إلى الصحو عند أوقات أداء الفرائض ليجري عليه القيام بالفرائض في أوقاتها فيكون رجوعا لله تعالى لا للعبد بالعبد.
فالعبد يطالع نفسه في هذه الحالة في تصريف الحق سبحانه يشهد مبدئ ذاته وعينه بقدرته ومجري أفعاله وأحواله عليه بعلمه ومشيئته.
وأشار بعضهم بلفظ الجمع والفرق إلى تصريف الحق جميع الخلق.
فجمع الكل في التقليب والتصريف من حيث إنه منشئ ذواتهم ومجري صفاتهم ثم فرقهم في التنويع ففريقا أسعدهم وفريقا أبعدهم وأشقاهم وفريقا هداهم وفريقا أضلهم [ ص: 169 ] وأعماهم وفريقا حجبهم عنه وفريقا جذبهم إليه وفريقا آنسهم بوصله وفريقا آيسهم من رحمته وفريقا أكرمهم بتوفيقه وفريقا اصطلمهم عند رومهم لتحقيقه وفريقا أصحاهم وفريقا محاهم وفريقا قربهم وفريقا غيبهم وفريقا أدناهم وأحضرهم ثم أسقاهم فأسكرهم وفريقا أشقاهم وأخرهم ثم أقصاهم وهجرهم.
وأنواع أفعاله لا يحيط بها حصر ولا يأتي على تفصيلها شرح ولا ذكر وأنشدوا رحمه الله في معنى الجمع والتفرقة: للجنيد
وتحققتك في سري فناجاك لساني فاجتمعنا لمعاني
وافترقنا لمعاني إن يكن غيبك التعظيم
عن لحظ عياني فلقد صيرك الوجد
من الأحشاء داني
وأنشدوا:
إذا ما بدا لي تعاظمته فأصدر في حال من لم يرد
جمعت وفرقت عني به ففرد التواصل مثنى العدد