الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
وأشار للعاقد من بائع ومشتر بذكر شرطيه بقوله ( وشرط ) صحة عقد ( عاقده ) أي البيع ( تمييز ) بأن يكون إذا كلم بشيء من مقاصد العقلاء فهمه وأحسن الجواب عنه فلا ينعقد من غير مميز لصغر أو إغماء أو جنون ، ولو من أحدهما واستثنى من المفهوم قوله ( إلا ) أن يكون عدم تمييزه ( بسكر ) حرام أي بسببه ( فتردد ) أي طريقتان طريقة ابن رشد والباجي أنه لا يصح اتفاقا و طريقة ابن شعبان أنه لا يصح على المشهور فرجع الأمر إلى عدم صحته إما اتفاقا أو على المشهور فلا وجه لذكر التردد لا سيما وهو يوهم خلاف المراد إذ يوهم أنه في الصحة وعدمها ، فإن لم يكن حراما كأن يعتقد أن هذا المشروب غير مسكر ، فإنه كالمجنون المطبق فلا يلزمه بيعه ولا يصح منه اتفاقا والمراد بالمسكر هنا ما غيب العقل فيشمل المرقد والمخدر ، وأما السكران الذي عنده نوع تمييز فبيعه صحيح قطعا لكنه لا يلزم [ ص: 6 ] كسائر العقود والإقرارات بخلاف الطلاق والعتق والحدود والجنايات فتلزمه .

التالي السابق


( قوله : وشرط صحة عقد عاقده ) إنما قدر المضاف الثاني ; لأن الذي يتصف بالصحة وعدمها هو العقد لا العاقد ، وإنما قدر المضاف الأول لقوله الآتي ولزومه تكليف فإن الذي يقابل اللزوم الصحة وقد يقال : الأولى حذفه ; لأن التمييز شرط في وجود العقد لا في صحته فالمراد شرط وجود عقد عاقده ; لأن فقد التمييز يمنع انعقاد البيع بحيث لا توجد حقيقته لفقد ما يدل على الرضا لا صحته مع وجود حقيقته تأمل ا هـ بن .

( قوله : فلا ينعقد من غير مميز ) خلافا لما في طفى من صحة العقد من غير المميز إلا أنه غير لازم فجعل التمييز شرطا في لزومه وما ذكره الشارح هو ظاهر المصنف تبعا لابن الحاجب وابن شاس ويشهد له قول القاضي عبد الوهاب في التلقين وفساد البيع يكون لأمور منها ما يرجع إلى المتعاقدين مثل أن يكونا أو أحدهما ممن لا يصح عقده كالصغير والمجنون أو غير عالم بالبيع ، وقول ابن بزيزة في شرحه لم يختلف العلماء أن بيع الصغير والمجنون باطل لعدم التمييز وقول أبي عبد الله المقري في قواعده أن العقد من غير تمييز فاسد عند مالك وأبي حنيفة لتوقف انتقال الملك على الرضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس } فلا بد من رضا معتبر وهو مفقود من غير المميز انظر بن .

( قوله : واستثنى من المفهوم إلخ ) أي فكأنه قال فلا ينعقد بيع غير المميز إلا أن يكون عدم تمييزة بسكر أدخله على نفسه ففي عدم انعقاد بيعه تردد ( قوله : وطريقة ابن شعبان ) أي وابن شاس وابن الحاجب ( قوله : إذ يوهم أنه في الصحة وعدمها ) أي يوهم أن أحد الترددين قائل بصحة البيع والآخر قائل بعدم صحته مع أنه ليس كذلك كما علمت ( قوله : ما غيب العقل ) أي مطلقا سواء كان مع نشأة وطرب أو لا ، غيب الحواس أيضا أو لا ( قوله : لكنه لا يلزم ) أي فله إذا أفاق أن يرده وأن يمضيه ، وكذا يقال في إقرارته وسائر عقوده ( قوله : كسائر العقود ) أي وهي كل ما يتوقف على إيجاب وقبول ، وأما غيرها من الطلاق وما بعده فهي إخراجات [ ص: 6 ] ولا تتوقف على إيجاب وقبول ( قوله : كسائر العقود والإقرارات بخلاف الطلاق إلخ ) ظاهره يقتضي أن هذا التفصيل جار في الطافح ومن عنده نوع من التمييز ، وليس كذلك بل الطافح كالمجنون لا يؤاخذ بشيء أصلا لا جنايات ولا غيرها ، وإنما التفصيل فيمن عنده من نوع من التمييز ، قال ابن رشد في كتاب النكاح : إذا كان السكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فلا خلاف أنه كالمجنون في جميع أحواله وأقواله إلا فيما ذهب وقته من الصلوات ، فإنه لا يسقط عنه بخلاف المجنون ، وإن كان السكران عنده بقية من عقله فقال ابن نافع يجوز عليه كل ما فعل من بيع وغيره وتلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا يلزمه الإقرار والعقود وهو مذهب مالك وعامة أصحابه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب ا هـ فتبين أن التفصيل إنما هو في النوع الثاني لا في كليهما وما ذكره ابن رشد نحوه للباجي والمازري على ما في ح عنه ا هـ بن . وقد يجاب عن الشارح بأن أل في العقود والإقرارات عوض عن المضاف إليه أي كسائر عقوده وإقراراته أي من عنده نوع تمييز فإنها لا تلزمه بخلاف طلاقه وعتقه فيلزمه




الخدمات العلمية