الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ثم شرع يتكلم على شيء من متعلقات الغش لوقوعها غالبا في البياعات بقوله ( وتصدق بما غش ) أي أحدث فيه الغش وأعدها ليغش به الناس فيحرم عليه بيعه ويفسخ إن كان قائما ، فإن رد له تصدق به على من يعلم أنه لا يغش به أدبا للغاش لئلا يعود ، فإن غشه لا ليبيعه أو يبيعه معينا غشه ممن يؤمن أن لا يغش به فلا يتصدق به عليه ، فإن لم يبين للمشتري فله التمسك به والرجوع بما بين الصحة والغش إن علم قدره وإلا فسد البيع وقوله وتصدق بما غش أي ولا يكسر الخبز ولا يراق اللبن ويرد الخبز لربه إن كسر إن كان بنقص وزن ، فإن كان بإدخال شيء فيه تصدق به أو يباع لمن لا يغش به والتصدق بالمغشوش إن قل بل ( ولو كثر ) وقال ابن القاسم [ ص: 47 ] لا يتصدق بالكثير بل يؤدب صاحبه ويترك له أي حيث يؤمن أن يغش به وإلا بيع عليه ممن يؤمن ( إلا أن يكون اشترى ) أو ورث أو وهب له ( كذلك ) أي مغشوشا فلا ينزع منه ولا يتصدق به بل ينتفع به من أكل أو شرب أو لبس أو يبيعه ممن لا يغش ( إلا ) المشتري ( العالم ) بغشه ( ليبيعه ) لمن يغش به فيتصدق به عليه قبل بيعه أو بعده إن رد عليه ، فإن تعذر رده بفواته أو ذهاب المشتري ففي ثمنه الأقوال الثلاثة التي قدمها المصنف فالتصدق به محمول على ما إذا لم يبعه أو باعه ورد عند عدم الفوات وهذا الرد هو المعبر عنه بالفسخ فيما مر والتصدق بثمنه فيما إذا تعذر رده ثم ذكر بعض جزئيات الغش مدخلا ما لم يذكره تحت الكاف بقوله ( كبل الخمر ) بضم الخاء المعجمة جمع خمار بكسرها ( بالنشاء ) لظهور صفاقتها ومزج لبن بماء وسمن بغيره ( وسبك ذهب جيد برديء ) لإيهام جودة الجميع ، ولو قال : وخلط جيد برديء ، كان أعم . ومنه خلط لحم الذكر بلحم الأنثى ولحم الضأن بلحم المعز ( ونفخ اللحم ) بعد سلخه كما يفيده إضافة نفخ إلى اللحم فليس هذا قيدا زائدا على المصنف ; لأنه يغير طعم اللحم ويظهر أنه سمين بخلاف يسير ماء بلبن لإخراج زبده أو بعصير ليتعجل تخليله ونفخ جلد اللحم قبل سلخه لاحتياجه لذلك ففيه صلاح ومنفعة

التالي السابق


( قوله : وتصدق بما غش ) أي جوازا لا وجوبا خلافا لعبق لما يذكره المصنف آخرا من قوله ، ولو كثر فإن هذا قول مالك والتصدق عنده جائز لا واجب وما ذكره المصنف من التصدق هو المشهور وقيل : يراق اللبن ونحوه من المائعات وتحرق الملاحف والثياب الرديئة النسج قاله ابن العطار وأفتى به ابن عتاب وقيل : إنها تقطع خرقا خرقا وتعطى للمساكين وقيل : لا يحل الأدب بمال امرئ مسلم فلا يتصدق به عليه ولا يراق اللبن ونحوه ولا تحرق الثياب ولا تقطع الثياب ويتصدق بها ، وإنما يؤدب الغاش بالضرب حكى هذه الأقوال ابن سهل ، قال ابن ناجي : واعلم أن هذا الخلاف إنما هو في نفس المغشوش هل يجوز الأدب فيه أم لا ، وأما لو زنى رجل مثلا فلا قائل فيما علمت أنه يؤدب بالمال ، وإنما يؤدب بالحد وما يفعله الولاة من أخذ المال فلا شك في عدم جوازه ، وقال الونشريسي أما العقوبة بالمال فقد نص العلماء على أنها لا تجوز وفتوى البرزلي بتحليل المغرم لم يزل الشيوخ يعدونها من الخطأ ا هـ بن .

( قوله : ويفسخ ) أي فإن باعه ، فإنه يفسخ وقوله : إن كان قائما أي فإن فات أو تعذرت معرفة المشتري ففي الثمن الأقوال الثلاثة المتقدمة هل يتجدد ملك البائع لذلك الثمن فلا يجب عليه التصدق به أو يجب التصدق بكل الثمن أو بالزائد على من لا يغش ، ثم ما ذكره الشارح من فسخ البيع أحد قولين وقيل إن بيعه صحيح لا يفسخ ويأتي في باب الخيار والمرابحة ما يدل لذلك وأن المشتري إذا اطلع على الغش بعد الشراء فهو مخير إن شاء تماسك به ، فإن فات لزم المشتري بالأقل من الثمن والقيمة ( قوله : لا لبيعه ) أي بل لينتفع به في نفسه أو في منزله ( قوله : فإن لم يبين للمشتري ) أي الغش أي والفرض إنه غش ليبيعه مبينا ( قوله : فله التمسك ) أي فللمشتري التمسك أي وله الرد وحاصل العبارة أن المشتري إذا كان وقت العقد لا يعلم بأنه مغشوش ثم علم به ، فإن علم بقدره خير بين الرد والتماسك لكن إن تماسك رجع بما بين الصحة والغش ، وإن رد فالأمر ظاهر ، وأما إن لم يعلم قدره ، فإنه يتعين الرد هذا كلامه وما ذكره من التخيير على الوجه المذكور في القسم الأول فهو غير مسلم بل يخير إما أن يرد ولا شيء عليه أو يتماسك ولا شيء له مع القيام ; لأن هذا شأن الغش وما ذكره في القسم الثاني من تعين الرد وفساد البيع ، فهو مأخوذ من قول عج إلا أنه غير صواب بل الحق أنه يخير أيضا بين الرد والتماسك .

( قوله : ويرد الخبز لربه ) أي بحيث يتملكه ( قوله : إن كسر ) أي لأنه يؤمن أن يغش به بعد كسره وقوله : ويرد الخبز أي إذا تجرأ عليه [ ص: 47 ] وكسره ولم يتصدق به ، فإنه يرد لربه ( قوله : لا يتصدق بالكثير ) أي بخلاف القليل ، فإنه يتصدق به عنه على ما قال الحطاب وقال عج إنه يطرح عنده ( قوله : ليبيعه ) أي إذا اشتراه ليبيعه ممن يغش به فحكمه حكم من أحدث الغش ليغش به وحينئذ فيتصدق به عليه قبل بيعه ( قوله : فالتصدق به محمول إلخ ) هذا جواب عما يقال : إن بين قوله هنا يتصدق به على مشتريه العالم بغشه ليغش به وبين ما مر في قول المصنف وفسخ ممن يعلم أنه يغش به تناف




الخدمات العلمية