الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما أنهى الكلام على بيع الخيار شرع في الكلام على الاختيار المجامع للخيار والمنفرد عنه [ ص: 106 ] فالأقسام ثلاثة وقد ذكرها المصنف فأشار إلى الاختيار مع الخيار بقوله ( وإن ) ( اشترى ) المشتري ( أحد ثوبين ) لا بعينه من شخص واحد ( وقبضهما ليختار ) واحدا منهما ، وهو فيما يختاره بالخيار في إمساكه ورده ( فادعى ضياعهما ) ( ضمن واحدا ) منهما ( بالثمن ) الذي وقع عليه البيع إن كان الخيار له كما هو قضيته ، فإن كان الخيار للبائع فإنه يضمن له الأكثر من الثمن والقيمة إلا أن يحلف فيضمن الثمن خاصة ويجري مثل ذلك في قوله ، أو ضياع واحد ضمن نصفه وقوله ( فقط ) راجع إلى قوله ضمن واحدا أي فلا يضمن الثاني ; لأنه أمين فيه ولا فرق بين طوع البائع بدفعهما وسؤال المشتري له ذلك عند ابن القاسم وإليه أشار بقوله ( ولو سأل في إقباضهما ) وفهم من قوله فادعى أنه إن قامت له بينة بذلك لم يضمن شيئا ( أو ) ادعى ( ضياع واحد ) منهما فقط ولم تقم له بينة ( ضمن نصفه ) لعدم العلم بالضائع هل هو المبيع ، أو غيره فأعملناه الاحتمالين ( وله ) أي للمشتري في ادعاء ضياع واحد فقط ( اختيار ) جميع ( الباقي ) ورده إن كان زمن الخيار باقيا ، وليس له اختيار نصفه على المشهور لما في اختيار نصف الباقي من ضرر الشركة ، فإن : قال كنت اخترت هذا الباقي ، ثم ضاع الآخر لم يصدق ويضمن نصف التالف ، وإن قال : كنت اخترت التالف ضمنه بتمامه وشبه في مطلق الضمان قوله ( كسائل ) غيره ( دينارا ) مثلا قضاء عن دين ، أو قرضا [ ص: 107 ] ( فيعطى ) السائل ( ثلاثة ليختار ) أحدها غير معين ( فزعم تلف اثنين ) وأولى إن قامت له بينة بذلك ( فيكون ) السائل ( شريكا ) بالثلث في السالم والتالف فله في السالم ثلثه وعليه ثلث كل من التالفين ويحلف على الضياع إن كان متهما ، فإن لم يحلف ضمن الثلثين أيضا ، فإن قبضها على أن ينقدها ، فإن وجد فيها جيدا وازنا أخذه ، وإلا رد الجميع فلا شيء عليه ; لأنه أمين فيها وأشار إلى القسم الثاني ، وهو الخيار فقط بقوله ( وإن كان ) اشتراهما معا على أن له فيهما خيار التروي وقبضهما ( ليختارهما ) معا ، أو يردهما معا فالمراد باختيارهما أنه فيهما بالخيار لا الاختيار المقابل للخيار ( فكلاهما مبيع ) يضمنهما ضمان مبيع الخيار إن لم تقم له بينة ( ولزماه بمضي المدة ) أي مدة الخيار ( وهما بيده ) وهذا معلوم مما مر أتى به لتتميم أحكام مسألة الثوبين وأشار إلى القسم الثالث ، وهو الاختيار فقط بقوله ( وفي ) اشترائه على ( اللزوم لأحدهما ) أي على أن أحدهما لازم له وإنما الخيار في التعيين ولا يرد إلا أحدهما فمضت مدة الاختيار ولم يختر ولم يدع ضياع شيء منهما فإنه ( يلزمه النصف من كل ) منهما ; لأن ثوبا قد لزمه ولا يعلم ما هو منهما فوجب أن يكون فيهما شريكا ، ومثل ذلك ما إذا ادعى ضياعهما ، أو ضياع أحدهما كما قرره به بعضهم ، وسواء كانا بيد البائع ، أو المشتري كان المبيع مما يغاب عليه أم لا ( وفي ) اشترائه أحدهما على ( الاختيار ) ، ثم هو فيما يختاره بالخيار ، وهي أول صور هذا المبحث إذا مضت مدة الخيار ولم يختر ( لا يلزمه شيء ) من الثوبين ; لأن تركه الاختيار حتى مضت مدة الخيار دليل [ ص: 108 ] على الرجوع عن المبيع وسواء كانا بيده ، أو بيد البائع إذ لم يقع البيع على معين فيلزمه ولا على لزوم أحدهما فيكون شريكا . .

التالي السابق


( قوله فالأقسام ثلاثة ) أي بيع خيار فقط وبيع اختيار فقط وبيع خيار واختيار فبيع الخيار فقط هو البيع الذي جعل فيه الخيار أي التروي لأحد المتبايعين في الأخذ والرد كأبيعك هذين الثوبين بكذا على الخيار مدة ثلاثة أيام في الأخذ والرد وبيع الاختيار فقط بيع جعل فيه البائع للمشتري التعيين لما اشتراه كأبيعك أحد هذين الثوبين على البت بدينار وجعلت لك يوما ، أو يومين تختار فيه واحدا منهما وبيع الخيار والاختيار بيع جعل فيه البائع للمشتري الاختيار في التعيين وبعده هو فيما يعينه بالخيار في الأخذ والرد كأبيعك هذين الثوبين بدينار على أن تختار واحدا منهما وبعد اختيار واحد لك الخيار في الأخذ والرد ثلاثة أيام وفي كل من هذه الثلاثة إما أن يضيع الثوبان ، أو أحدهما ، أو تمضي أيام الخيار ولم يختر فهذه تسع والمصنف تكلم على حكمهما ، وحاصله أن الثوبين في بيع الخيار فقط كلاهما مبيع فيضمنهما المشتري إذا قبضهما ضمان الخيار إن ادعى ضياعهما ، أو ضياع أحدهما ، فإن مضت مدة الخيار ولم يختر لزماه معا فهذه ثلاثة ، وفي بيع الاختيار فقط إن ادعى ضياعهما معا ، أو ادعى ضياع أحدهما ، أو مضت مدة الاختيار ولم يختر لزمه النصف من كل منهما بكل الثمن فهذه ثلاثة أيضا وفي بيع الخيار والاختيار إن ادعى ضياعهما معا ضمن واحدا بالثمن ، وإن ادعى ضياع واحد ضمن نصفه ، وله اختيار الباقي وإذا مضت المدة ولم يختر لم يلزمه شيء فهذه ثلاثة أيضا فقد علمت أحكام التسع .

( قوله ، وإن اشترى أحد ثوبين ) الكاف مقدرة في كلامه أي أحد كثوبين أي أحد شيئين مما يغاب عليهما ( قوله من شخص واحد ) احترازا عما إذا اشتراهما من شخصين فسيأتي حكم ذلك ( قوله إلا أن يحلف ) أي لقد ضاعا وما فرطت ( قوله ويجري مثل ذلك في قوله ، أو ضياع واحد ضمن نصفه ) أي نصف الثمن الذي بيع به فيقال : هذا إذا كان الخيار للمشتري ، فإن كان للبائع فيضمن له نصف الأكثر من الثمن والقيمة ( قوله راجع إلخ ) أي لا لقوله بالثمن لئلا يتوهم أنه يضمن الآخر بغير الثمن ( قوله بدفعهما ) أي للمشتري ليختار واحدا منهما ( قوله ولو سأل في إقباضهما إلخ ) رد المصنف بلو على أشهب القائل إن سأله فإنه يضمنها أحدهما بالقيمة ; لأنها غير مبيعة والآخر بالأقل من الثمن والقيمة ، وتضمينه القيمة إذا كانت أقل بعد أن يحلف لقد ضاعا وانظره فإنه إذا كان غير مبيع فما وجه ضمانه لقيمته .

( قوله ضمن نصفه ) أي نصف الثمن الذي وقع البيع به ( قوله فأعملنا الاحتمالين ) أي احتمال كون الضائع هو المبيع واحتمال كونه غيره أي أننا ارتكبنا حالة وسطى ; لأنه على احتمال كون الضائع هو المبيع يلزمه كله ، وعلى احتمال كونه غير المبيع يحكم بعدم اللزوم أصلا ; لأنه وديعة عنده فعملنا بكل من الاحتمالين وأخذنا من كل طرفا ( قوله على المشهور ) أي ، وهو قول ابن القاسم وقال محمد بن المواز : القياس أن له اختيار نصف الباقي لا جميعه وذلك ; لأن المبيع ثوب واحد فإذا اختار جميع الباقي لزم كون المبيع ثوبا ونصفا ، وهو خلاف الفرض ، وأجيب بأن هذا أمر جرت إليه الأحكام لدفع ضرر الشركة ( قوله ضمنه بتمامه ) أي وليس له بعد ذلك اختيار الباقي كما في ح عن الرجراجي وابن يونس ( قوله وشبه في مطلق الضمان ) أي في ضمان الاشتراك ، وهو ضمان جزء بحسب [ ص: 107 ] ما لكل مطلقا أي لا بقيد كونه قبض ليختار ، ثم هو فيما يختاره بالخيار ولا بقيد كون المضمون نصفا ( قوله فيعطى ثلاثة ) أي على أن له من حين القبض واحدا منها غير معين ليختار منها واحدا ( قوله وأولى إن قامت له بينة بذلك ) أي كما قال ابن يونس ; لأنه قبضها على وجه الإلزام أي إلزام أن له واحدا منها من حين قبضها خلافا لسحنون حيث قال معنى المدونة أن تلف الدينارين لا يعلم إلا من قوله ( قوله فيكون شريكا ) هذا تصريح بوجه الشبه لخفائه في المسألة السابقة فلا يقال إن هذا ضائع ; لأنه قد استفيد من التشبيه ، والحاصل أن وجه الشبه بين المسألتين مطلق الشركة ، وهو خفي في المشبه بها ; لأن قوله فيها ضمن النصف يتضمن الشركة فيها .

( قوله ويحلف على الضياع إن كان متهما ) أي لأجل أن يبرأ من ضمان الثلثين ومحل حلفه إذا عدم البينة ( قوله ، فإن لم يحلف ضمن الثلثين أيضا ) أي ضمن الثلثين من الباقي ومن التالفين كما يضمن الثلث الثالث وحينئذ فيضمن الدينارين التالفين ولا شيء له مما بقي والحاصل أنه إذا لم يكن متهما ، أو متهما وحلف على الضياع حسب له ديناران أخذه قضاء ويكون عليه إن أخذه قرضا ، وإن كان متهما ولم يحلف حسب له الديناران التالفان إن أخذا قضاء وحسبا عليه إن أخذا قرضا ( قوله ، فإن قبضها على أن ينقدها إلخ ) هذا محترز قولنا فيعطى ثلاثة على أن له واحدا منها من حين القبض ( قوله فلا شيء عليه ; لأنه أمين فيها ) فلو ادعى الدافع على الآخذ أنه اختار منها واحدا بعد نقدها ووزنها وادعى الآخذ أنها ضاعت قبل أن يختار كان القول قول الآخذ بيمينه فلا يلزمه شيء ( قوله ليختارهما ) أي ليتروى في أن يأخذهما معا ، أو يردهما معا ( قوله ، أو يردهما ) هذا يشير إلى أن في العبارة حذفا تقديره ، أو يردهما وقوله بعد فالمراد بالاختيار إلخ يؤذن بأن العبارة لا حذف فيها ; لأن كونه فيهما بالخيار صادق بالطرفين الرضا والرد فالتفريع لا يناسب فلو قال ، أو المراد إلخ كان ، أولى .

( قوله فكلاهما مبيع ) يؤخذ منه أنه إذا ادعى ضياعهما معا لزماه بالثمن ، وإن ادعى ضياع واحد فقط لزمه بحصته من الثمن ، وهو كذلك كما في المدونة ابن يونس قال بعض فقهائنا القرويين ولو كان الهالك منهما وجه الصفقة لوجب أن يلزماه جميعا كضياع الجميع ويحمل على أنه غيبه قال في تكميل التقييد حكى ابن محرز هذا التقييد عن بعض المذاكرين قال ، وهو غلط والصواب أن له رد الباقي كان الوجه ، أو التبع وذلك ; لأن ضمانه إياه بثمنه إنما هو من أجل التهمة ولم يحكم عليه بأنه احتبسه لنفسه ، ولو كان الضمان عليه بذلك لم يكن له رد الباقي كان الوجه ، أو التبع ا هـ . بن ( قوله أتى به لتتميم إلخ ) الحاصل أن ذكر المصنف لهذا القسم ، وهو ما إذا اشترى الثوبين معا على الخيار إنما هو لأجل استيفاء أقسام الثوبين المذكورة في كلام غيره ، وإلا فهذا مكرر مع ما مر من أحكام الخيار من أنه إذا ادعى المشتري الضياع ، أو التلف كان الضمان منه ، وإن كانا باقيين بيده حتى انقضى أمد الخيار لزماه لقوله سابقا ولزماه بانقضائه ( قوله كما قرره به بعضهم ) قال بن وهذا التقرير هو الظاهر من ح ومقابله أنه إن ادعى ضياعهما ضمن واحدا فقط بالثمن ، وإن ادعى ضياع واحد ، أو مضت المدة من غير اختيار لزمه النصف من كل منهما بالثمن فلزوم النصف من كل بالثمن في صورتين على التقرير الثاني وفي ثلاث على الأول ( قوله مما يغاب عليه أم لا ) قامت بينة على الضياع أم لا ; لأن البيع على اللزوم . .




الخدمات العلمية