الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( و ) إن ابتاع مقوما معينا متعددا في صفقة واحدة كعشرة أثواب بمائة فاطلع على عيب ببعضه ( رد بعض المبيع ) المعيب ( بحصته ) من الثمن ولزمه التمسك بالباقي إذا لم يكن المعيب وجه الصفقة بأن كان ينويه من الثمن النصف فأقل فإذا كان قيمة كل ثوب عشرة والمعيب واحد ، أو اثنان إلى خمسة رجع بعشر الثمن ، وهو عشرة في المثال ، أو خمسة ، وهو عشرون إلى نصفه ، وهو خمسون ، وأما المثلي والشائع فسيأتيان وهذا ظاهر إن كان الثمن عينا ، أو مثليا ، فإن كان سلعة كما لو اشتراها بعبد فأشار له بقوله ( ورجع بالقيمة ) أي قيمة ما يقابل المعيب من السلعة وتعتبر يوم البيع ( إن كان الثمن سلعة ) كعبد ، أو دار فإذا كان المعيب ثوبا رده ورجع بعشر قيمة العبد ، أو الدار وهكذا ولا يرجع بجزء من السلعة خلافا لأشهب واستثنى من قوله ورد بعض المبيع بحصته قوله ( إلا أن يكون ) المعيب ( الأكثر ) من النصف ، ولو بيسير فليس له رده بحصته بل [ ص: 135 ] إما أن يتماسك بالجميع ، أو يرد الجميع ، أو يتماسك بالبعض بجميع الثمن هذا إن كان السالم باقيا ، فإن فات فله رد المعيب مطلقا وأخذ حصته من الثمن ( أو ) يكون المعيب ( أحد مزدوجين ) لا يستغنى بأحدهما عن الآخر كأحد خفين ، أو مصراعين ، أو قرطين ، أو سوارين لجري العادة بأنه لا يستغنى بأحدهما عن الآخر فليس له رد المعيب بحصته من الثمن والتمسك بالسليم ( أو ) يكون المعيب ( أما وولدها ) الواو بمعنى ، أو فإذا وجد العيب بأحدهما وجب ردهما معا ، أو التمسك بهما معا . .

التالي السابق


( قوله كعشرة أثواب ) أي معينة ( قوله فاطلع على عيب ببعضه ) أي ، أو استحق بعضه ; لأن استحقاق بعض المعين المتعدد كالعيب ( قوله ولزمه التمسك بالباقي ) أي بما يخصه من الثمن وليس للمشتري رد الجميع إلا برضا البائع وليس للبائع أن يقول إما أن ترد الجميع ، أو تأخذ الجميع كما قاله ابن يونس وقال ابن عرفة هو ظاهر المدونة خلافا للتونسي انظر ح ( قوله بأن كان ينويه ) تفسير لما إذا كان العيب ليس وجه الصفقة أما لو كان المعيب وجه الصفقة فسيأتي في قوله إلا أن يكون المعيب أكثر من النصف ( قوله فإذا كان إلخ ) حاصله أنه يقوم كل سلعة بمفردها على أنها سليمة وينسب قيمة المعيب على أنه سليم إلى الجميع ويرجع بما يخص المعيب من الثمن كما وضح ذلك بقوله فإذا كان إلخ وللتقويم طريقة أخرى غير هذه ، وحاصلها أن تقوم الأثواب كلها سالمة ثم تقوم ثانيا بدون المعيب وتنسب القيمة الثانية للأولى وبتلك النسبة يرجع بما يخص المعيب من الثمن .

( قوله ، وأما المثلي ) أي ، وأما لو كان المبيع مثليا ، أو كان مقوما غير معين كالموصوف في الذمة ، ثم اطلع على عيب في بعضه بعد قبضه فسيأتيان أنهما يرجعان فيهما بمثل ما ظهر معيبا ، أو استحق سواء كان أقل الصفقة ، أو أكثرها وهذا محترز قوله ، وإن ابتاع مقوما معينا ( قوله وهذا ) أي قول المصنف رد بعض المبيع بحصته من الثمن ظاهر إلخ وقوله إن كان الثمن عينا أي كمائة دينار ( قوله ، أو مثليا ) أي مكيلا ، أو موزونا ، أو معدودا كما إذا كان الثمن مائة إردب ، أو مائة قنطار ( قوله ورجع بالقيمة أي قيمة ما يقابل المعيب من السلعة ) الأولى أن يقول أي ورجع بنسبة قيمة المعيب إلى جميع المبيع من قيمة السلعة ليوافق قوله الآتي ورجع بعشر قيمة العبد ، أو الدار ( قوله ورجع بعشر قيمة العبد ) أي على المعتمد خلافا لمن قال يرجع بقيمة عشر العبد ولا شك أن قيمة عشر العبد أقل من عشر قيمته ، وحاصل فقه المسألة : أن الثمن إن كان مقوما كدار ، أو عبد ، أو كتاب ، أو ثوب واطلع المشتري على عيب في بعض المبيع فقال أشهب يرجع شريكا في الثمن المقوم بما يقابل المعيب وقال ابن القاسم لا يرجع شريكا للبائع في الثمن لضرر الشركة وإنما يرجع بالقيمة من الثمن ، وعلى هذا القول فاختلف فقيل معناه أنه يرجع بنسبة قيمة المعيب لقيمة المبيع من قيمة المقوم الواقع ثمنا ، وهو ما في التوضيح والمواق فإذا كان المعيب ثوبا فيقال قيمته عشرة نسبتها للمائة قيمة الأثواب المبيعة العشر فيرجع بعشر قيمة الدار الواقعة ثمنا وهذا هو المعتمد وعليه مشى شارحنا هنا ، وقيل : معناه أن المشتري يرجع بقيمة ما يقابل المعيب من الثمن ، فإن كان المعيب ثوبا رجع بقيمة عشر الدار ، وعلى هذا مشى شارحنا أولا حيث قال ورجع بقيمة ما يقابل المعيب من السلعة فتأمل ( قوله وهكذا ) أي وإن كان المعيب ثوبين رجع بخمس قيمة العبد ، أو الدار لا بقيمة خمسهما ، وإن كان المعيب ثلاثة أثواب رجع بثلاثة أعشار قيمتهما لا بقيمة ثلاثة أعشارهما ، وإن كان أربعة رجع بخمسي قيمتهما لا بقيمة خمسهما ، وإن كان خمسة رجع بنصف قيمتهما لا بقيمة نصفهما ( قوله ولا يرجع بجزء من السلعة ) أي فلا يرجع شريكا بعشرها إذا كان المعيب ثوبا ولا بخمسها [ ص: 135 ] إن كان المعيب ثوبين وهكذا ( قوله إما أن يتماسك بالجميع ) أي بجميع المبيع سليما ومعيبا بكل الثمن ( قوله ، أو يرد الجميع ) أي جميع المبيع السالم والمعيب ويأخذ كل الثمن ( قوله ، أو يتماسك بالبعض ) أي ، وهو السليم بكل الثمن ويرد البعض المعيب مجانا أي ، وأما التماسك بالبعض السليم بما يقابله من الثمن ورد المعيب بما يخصه من الثمن فهو ممنوع ، ولو تراضيا على ذلك لحق الله وسيأتي في الشرح علة المنع من أن التماسك بالباقي في القليل كإنشاء عقدة بثمن مجهول إذ لا يعرف ما ينوب الأقل إلا في ثاني حال بعد التقويم .

( قوله هذا ) أي ومحل هذا أي محل منع التمسك بالأقل ورد المعيب الأكثر بما ينوبه من الثمن إن كان السليم كله باقيا وكذلك المعيب وقوله ، فإن فات أي السليم بأن حصل فيه هلاك وقوله فله رد المعيب أي والتماسك بالسليم من العيب الهالك بحصته من الثمن وقوله مطلقا أي سواء كان وجه الصفقة أم لا وهذا إذا كان الثمن عينا ، أو عرضا وفات وذلك ; لأنه لو رد الجميع في تلك الحالة رد قيمة الهالك عينا ورجع في عين ، وهو الثمن العين وقيمة العرض الذي قد فات عند البائع ورد العين والرجوع فيها لا فائدة فيه ، وأما لو كان الثمن عرضا لم يفت فإنه يتعين رد الجميع ; لأنه لو تمسك بالسليم من المعيب الذي هلك عنده بحصته من العرض القائم والفرض أن المعيب وجه الصفقة لكان كإنشاء عقدة بثمن مجهول إذ لا يعلم ما يخص السليم من ذلك العرض القائم إلا بعد التقويم ( قوله فليس له رد المعيب ) أي من أحد المزدوجين بحصته من الثمن والتمسك بالسليم أي بما يخصه من الثمن بل إما أن يتماسك بالجميع ، أو يرد الجميع ، وظاهر الشارح عدم جواز رد المعيب والتماسك بالسليم من المزدوجين ، ولو تراضيا على ذلك ، وهو ما في خش وعبق تبعا لعج لما في ذلك من الفساد الذي منع الشرع منه ولكن رد ذلك طفى وقال الصواب جواز ذلك عند التراضي كما ذكروه في القسمة من جوازها مراضاة في الخفين ونحوهما لإمكان شراء كل واحد من الشريكين فردة الآخر ليكمل انتفاعه انظر بن .

( قوله وجب ردهما معا ، أو التمسك بهما معا ) أي ولا يجوز رد المعيب منهما بحصته من الثمن ; لأن الشارع منع من التفرقة بينهما قبل الإثغار وهذا حيث لم ترض الأم بذلك ، وإلا جاز رد المعيب بحصته من الثمن إلا أن يكون وجه الصفقة بناء على أن الحق في عدم التفرقة للأم لا للولد ، وإلا منع ، ولو رضيت الأم بذلك ولو كان المعيب أقل من وجه الصفقة . .




الخدمات العلمية