[ ص: 309 ] وقد صرح الزمخشري بذلك فإنه قال: "وإن سبقكم وانفلت منكم شيء من أزواجكم، أحد منهن إلى الكفار وفي قراءة ابن مسعود "أحد" فهذا تصريح بأن المراد بشيء النساء الفارات. ثم قال: "فإن قلت: هل لإيقاع "شيء" في هذا الموقع فائدة؟ قلت: نعم الفائدة فيه: أن لا يغادر شيئا من هذا الجنس، وإن قل وحقر، غير معوض منه، تغليظا في هذا الحكم وتشديدا فيه"، ولولا نصه على أن المراد بـ "شيء" "أحد" كما تقدم لكان قوله: "أن لا يغادر شيئا من هذا الجنس وإن قل وحقر"، ظاهرا في أن المراد بـ "شيء" المهر; لأنه يوصف بالقلة والحقارة وصفا شائعا. وقوله: "تغليظا وتشديدا" فيه نظر; لأن المسلمين ليس [لهم] تسبب في فرار النساء إلى الكفار، حتى يغلظ عليهم الحكم بذلك. وعدى "فات" بـ "إلى" لأنه ضمن معنى الفرار والذهاب والسبق ونحو ذلك.
قوله: فعاقبتم عطف على "فاتكم". وقرأ العامة "عاقبتم" وفيه وجهان، أحدهما: أنه من العقوبة. قال الزجاج: "فعاقبتم: فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم". الثاني: أنه من العقبة وهي النوبة، شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة، وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى، بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في [ ص: 310 ] الركوب وغيره، ومعناه: فجاءت عقبتكم من أداء المهر. انتهى.
وقرأ مجاهد والأعرج والزهري وأبو حيوة وعكرمة وحميد بشد القاف، دون ألف، ففسرها الزمخشري على أصله بعقبه إذا قفاه; لأن كل واحد من المتعاقبين يقفي صاحبه وكذلك "عقبتم" بالتخفيف يقال: "عقبه يعقبه". انتهى. قلت: والذي قرأه بالتخفيف وفتح القاف النخعي وابن وثاب والزهري والأعرج أيضا، وبالتخفيف وكسر القاف مسروق والزهري والنخعي أيضا.
وقرأ مجاهد "أعقبتم". قال الزمخشري معناه: "دخلتم في العقبة".
وأما الزجاج ففسر القراءات الباقية: فكانت العقبى لكم أي: كانت الغلبة لكم حتى غنمتم. والظاهر أنه كما قال الزمخشري من المعاقبة بمعنى المناوبة. يقال: عاقب الرجل صاحبه في كذا أي: جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الآخر ويقال: أعقب أيضا، وأنشد:
[ ص: 311 ]
4255 - وحاردت النكد الجلاد ولم يكن لعقبة قدر المستعيرين معقب


