الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (3) قوله: كالوهم أو وزنوهم : رسمتا في المصحف بغير ألف بعد الواو في الفعلين، فمن ثم اختلف الناس في "هم" على وجهين، أحدهما: هو ضمير نصب، فيكون مفعولا به، ويعود على الناس، أي: وإذا كالوا الناس، أو وزنوا الناس. وعلى هذا فالأصل في هذين الفعلين التعدي لاثنين، لأحدهما بنفسه بلا خلاف، وللآخر بحرف الجر، ويجوز حذفه. وهل كل منهما أصل بنفسه، أو أحدهما أصل للآخر؟ خلاف مشهور. والتقدير: وإذا كالوا لهم طعاما أو وزنوه لهم، فحذف الحرف والمفعول المسرح. وأنشد الزمخشري :


                                                                                                                                                                                                                                      4513- ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 717 ] أي: جنيت لك. والثاني: أنه ضمير رفع مؤكد للواو. والضمير عائد على المطففين، ويكون على هذا قد حذف المكيل والمكيل له والموزون والموزون له. إلا أن الزمخشري رد هذا، فقال: "ولا يصح أن يكون ضميرا مرفوعا للمطففين; لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد، وذلك أن المعنى: إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا أعطوهم أخسروا. فإن جعلت الضمير للمطففين انقلب إلى قولك: إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر; لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر".

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ : "ولا تنافر فيه بوجه، ولا فرق بين أن يؤكد الضمير أو لا يؤكد، والحديث واقع في الفعل. غاية ما في هذا أن متعلق الاستيفاء - وهو على الناس - مذكور، وهو في كالوهم أو وزنوهم محذوف للعلم به; لأنه من المعلوم أنهم لا يخسرون ذلك لأنفسهم". قلت: الزمخشري يريد أن يحافظ على أن المعنى مرتبط بشيئين: إذا أخذوا من غيرهم، وإذا أعطوا غيرهم، وهذا إنما يتم على تقدير أن يكون الضمير منصوبا عائدا على الناس، لا على كونه ضمير رفع عائدا على المطففين، ولا شك أن هذا المعنى الذي ذكره الزمخشري وأراده أتم وأحسن من المعنى الثاني. ورجح الأول سقوط الألف بعد الواو، ولأنه دال على اتصال الضمير، إلا أن الزمخشري استدركه فقال: "والتعلق [ ص: 718 ] في إبطاله بخط المصحف وأن الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه، ركيك لأن خط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط، على أني رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين هذه الألف مرفوضة لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جميعا; لأن الواو وحدها معطية معنى الجمع، وإنما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك: "هم [لم] يدعوا"، و"هو يدعو"، فمن لم يثبتها قال: المعنى كاف في التفرقة بينهما، وعن عيسى بن عمر وحمزة أنها يرتكبان ذلك، أي: يجعلان الضميرين للمطففين، ويقفان عند الواوين وقيفة يبينان بها ما أرادا".

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يذكر فعل الوزن أولا; بل اقتصر على الكيل، فقال: "إذا اكتالوا"، ولم يقل: أو اتزنوا، كما قال ثانيا: أو وزنوهم. قال الزمخشري : "كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة; لأنهم يدعدعون ويحتالون في الملء، وإذا أعطوا كالوا ووزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعا".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يخسرون" جواب "إذا" وهو معدى بالهمزة. يقال: خسر الرجل، وأخسرته أنا، فمفعوله محذوف، أي: يخسرون الناس متاعهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية