، كتاب
nindex.php?page=treesubj&link=19685_19659المراقبة والمحاسبة والحمد لله .
كتاب المراقبة والمحاسبة .
وهو الكتاب الثامن من ربع المنجيات من كتب إحياء علوم الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت الرقيب على كل جارحة بما اجترحت المطلع على ضمائر القلوب إذا هجست الحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض تحركت أو سكنت المحاسب على النقير والقطمير والقليل والكثير من الأعمال وإن خفيت المتفضل بقبول طاعات العباد وإن صغرت ، المتطول بالعفو عن معاصيهم وإن كثرت وإنما يحاسبهم لتعلم كل نفس ما أحضرت وتنظر فيما قدمت وأخرت فتعلم أنه لولا لزومها للمراقبة والمحاسبة في الدنيا لشقيت في صعيد القيامة وهلكت ، وبعد المجاهدة والمحاسبة والمراقبة لولا فضله بقبول بضاعتها المزجاة لخابت وخسرت فسبحان من عمت نعمته كافة العباد ، واستغرقت رحمته الخلائق في الدنيا والآخرة وغمرت فبنفحات فضله اتسعت القلوب للإيمان وانشرحت وبيمن توفيقه تقيدت الجوارح بالعبادات وتأدبت وبحسن هدايته انجلت عن القلوب ظلمات الجهل وانقشعت وبتأييده ونصرته انقطعت مكايد الشيطان واندفعت ، وبلطف عنايته تترجح كفة الحسنات إذا ثقلت ، وبتيسيره تيسرت من الطاعات ما تيسرت فمنه العطاء والجزاء والإبعاد والإدناء والإسعاد والإشقاء والصلاة والسلام على
محمد سيد الأنبياء وعلى آله سادة الأصفياء ، وعلى أصحابه قادة الأتقياء .
أما بعد : فقد قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه فعرف أرباب البصائر من جملة العباد أن الله تعالى لهم بالمرصاد وأنهم سيناقشون في الحساب ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات وتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة ، وصدق المراقبة ، ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات ، ومحاسبتها في الخطرات واللحظات ، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه ، وحضر عند السؤال جوابه ، وحسن منقلبه ومآبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته ، وطالت في عرصات القيامة وقفاته ، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته ، فلما انكشف لهم ذلك علموا أنه لا ينجيهم منه إلا طاعة الله وقد أمرهم بالصبر والمرابطة فقال عز من قائل :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=200يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فرابطوا أنفسهم أولا بالمشارطة ، ثم بالمراقبة ، ثم بالمحاسبة ، ثم بالمعاقبة ، ثم بالمجاهدة ، ثم بالمعاتبة .
فكانت لهم في المرابطة ست مقامات ولا بد من شرحها وبيان حقيقتها وفضيلتها ، وتفصيل الأعمال فيها ، وأصل ذلك المحاسبة ، ولكن كل حساب فبعد مشارطة ومراقبة ، ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة .
فلنذكر شرح هذه المقامات ، وبالله التوفيق .
، كِتَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=19685_19659الْمُرَاقِبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
كِتَابُ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ .
وَهُوَ الْكِتَابُ الثَّامِنُ مِنْ رُبْعِ الْمُنْجِيَاتِ مِنْ كُتُبِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَائِمِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ الرَّقِيبِ عَلَى كُلِّ جَارِحَةٍ بِمَا اجْتَرَحَتْ الْمُطَّلِعِ عَلَى ضَمَائِرِ الْقُلُوبِ إِذَا هَجَسَتْ الْحَسِيبِ عَلَى خَوَاطِرِ عِبَادِهِ إِذَا اخْتَلَجَتْ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تَحَرَّكَتْ أَوْ سَكَنَتْ الْمُحَاسِبِ عَلَى النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَإِنْ خَفِيَتْ الْمُتَفَضِّلِ بِقَبُولِ طَاعَاتِ الْعِبَادِ وَإِنْ صَغُرَتِ ، الْمُتَطَوِّلِ بِالْعَفْوِ عَنْ مَعَاصِيهِمْ وَإِنْ كَثُرَتْ وَإِنَّمَا يُحَاسِبُهُمْ لِتَعْلَمَ كُلُّ نَفْسٍ مَا أَحْضَرَتْ وَتَنْظُرَ فِيمَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ فَتَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْلَا لُزُومُهَا لِلْمُرَاقَبَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَشَقِيَتْ فِي صَعِيدِ الْقِيَامَةِ وَهَلَكَتْ ، وَبَعْدَ الْمُجَاهَدَةِ وَالْمُحَاسَبَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ لَوْلَا فَضْلُهُ بِقَبُولِ بِضَاعَتِهَا الْمُزْجَاةِ لَخَابَتْ وَخَسِرَتْ فَسُبْحَانَ مَنْ عَمَّتْ نِعْمَتُهُ كَافَّةَ الْعِبَادِ ، وَاسْتَغْرَقَتْ رَحْمَتُهُ الْخَلَائِقَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَغَمَرَتْ فَبِنَفَحَاتِ فَضْلِهِ اتَّسَعَتِ الْقُلُوبُ لِلْإِيمَانِ وَانْشَرَحَتْ وَبِيُمْنِ تَوْفِيقِهِ تَقَيَّدَتِ الْجَوَارِحُ بِالْعِبَادَاتِ وَتَأَدَّبَتْ وَبِحُسْنِ هِدَايَتِهِ انْجَلَتْ عَنِ الْقُلُوبِ ظُلُمَاتُ الْجَهْلِ وَانْقَشَعَتْ وَبِتَأْيِيدِهِ وَنُصْرَتِهِ انْقَطَعَتْ مَكَايِدُ الشَّيْطَانِ وَانْدَفَعَتْ ، وَبِلُطْفِ عِنَايَتِهِ تَتَرَجَّحُ كِفَّةُ الْحَسَنَاتِ إِذَا ثَقُلَتْ ، وَبِتَيْسِيرِهِ تَيَسَّرَتْ مِنَ الطَّاعَاتِ مَا تَيَسَّرَتْ فَمِنْهُ الْعَطَاءُ وَالْجَزَاءُ وَالْإِبْعَادُ وَالْإِدْنَاءُ وَالْإِسْعَادُ وَالْإِشْقَاءُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى
مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى آلِهِ سَادَةِ الْأَصْفِيَاءِ ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ قَادَةِ الْأَتْقِيَاءِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابُ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=6يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=6يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=281ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ فَعَرَفَ أَرْبَابُ الْبَصَائِرِ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ وَأَنَّهُمْ سَيُنَاقَشُونَ فِي الْحِسَابِ وَيُطَالَبُونَ بِمَثَاقِيلِ الذَّرِّ مِنَ الْخَطِرَاتِ وَاللَّحَظَاتِ وَتَحَقَّقُوا أَنَّهُ لَا يُنْجِيهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأَخْطَارِ إِلَّا لُزُومُ الْمُحَاسَبَةِ ، وَصِدْقُ الْمُرَاقَبَةِ ، وَمُطَالَبَةُ النَّفَسِ فِي الْأَنْفَاسِ وَالْحَرَكَاتِ ، وَمُحَاسَبَتِهَا فِي الْخَطِرَاتِ وَاللَّحَظَاتِ ، فَمَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ خَفَّ فِي الْقِيَامَةِ حِسَابُهُ ، وَحَضَرَ عِنْدَ السُّؤَالِ جَوَابُهُ ، وَحَسُنَ مُنْقَلَبُهُ وَمَآبُهُ وَمَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ ، وَطَالَتْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ وَقَفَاتُهُ ، وَقَادَتْهُ إِلَى الْخِزْيِ وَالْمَقْتِ سَيِّئَاتُهُ ، فَلَمَّا انْكَشَفَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يُنْجِيهِمْ مِنْهُ إِلَّا طَاعَةُ اللَّهِ وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ وَالْمُرَابَطَةِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=200يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا فَرَابَطُوا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلًا بِالْمُشَارَطَةِ ، ثُمَّ بِالْمُرَاقَبَةِ ، ثُمَّ بِالْمُحَاسَبَةِ ، ثُمَّ بِالْمُعَاقَبَةِ ، ثُمَّ بِالْمُجَاهَدَةِ ، ثُمَّ بِالْمُعَاتَبَةِ .
فَكَانَتْ لَهُمْ فِي الْمُرَابَطَةِ سِتُّ مَقَامَاتٍ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْحِهَا وَبَيَانِ حَقِيقَتِهَا وَفَضِيلَتِهَا ، وَتَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ فِيهَا ، وَأَصْلُ ذَلِكَ الْمُحَاسَبَةُ ، وَلَكِنَّ كُلَّ حِسَابٍ فَبَعْدَ مُشَارَطَةٍ وَمُرَاقَبَةٍ ، وَيَتْبَعُهُ عِنْدَ الْخُسْرَانِ الْمُعَاتَبَةُ وَالْمُعَاقَبَةُ .
فَلْنَذْكُرْ شَرْحَ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .