فمن لم يتوقف عند الاشتباه كان متبعا لهواه معجبا برأيه وكان ممن وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك وكل من خاض في شبهه بغير تحقيق فقد خالف قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم وقوله عليه السلام إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وأراد به ظنا بغير دليل كما يستفتي بعض العوام قلبه فيما أشكل عليه ويتبع ظنه ولصعوبة هذا الأمر وعظمه كان دعاء الصديق رضي الله تعالى عنه اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه ولا تجعله متشابها علي فأتبع الهوى وقال عيسى عليه .
السلام الأمور ثلاثة أمر استبان رشده فاتبعه وأمر استبان غيه فاجتنبه وأمر أشكل عليك فكله إلى عالمه وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أعوذ بك أن أقول في الدين بغير علم فأعظم نعمة الله على عباده هو العلم وكشف الحق والإيمان عبارة عن نوع كشف وعلم ولذلك قال تعالى امتنانا على عبده وكان فضل الله عليك عظيما وأراد به العلم وقال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال تعالى إن علينا للهدى وقال ثم إن علينا بيانه وقال وعلى الله قصد السبيل .
وقال علي كرم الله وجهه الهوى شريك العمى ومن التوفيق التوقف عند الحيرة ونعم طارد الهم اليقين وعاقبة الكذب الندم وفي الصدق السلامة رب بعيد أقرب من قريب وغريب من لم يكن له حبيب والصديق من صدق غيبه ولا يعدمك من حبيب سوء ظن نعم الخلق التكرم والحياء سبب إلى كل جميل وأوثق العرا التقوى وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين الله تعالى إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك والرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك وإن كنت جازعا على ما أصيب مما في يديك فلا تجزع على ما لم يصل إليك واستدل على ما لم يكن بما كان فإنما الأمور أشباه والمرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فما نالك من دنياك فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها فلا تتبعه نفسك أسفا وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على ما خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما بعد الموت .
وغرضنا من نقل هذه الكلمات قوله ومن التوفيق التوقف عند الحيرة فإذن النظر الأول للمراقب نظره في الهم والحركة أهي لله أم للهوى وقد قال صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا يخاف في الله لومة لائم ولا يرائي بشيء من عمله وإذا عرض له أمران أحدهما للدنيا والآخر للآخرة آثر الآخرة على الدنيا وأكثر ما ينكشف له في حركاته أن يكون مباحا ولكن لا يعنيه فيتركه لقوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .


