ولنقبض عنان الكلام عن هذا النمط فإنه مجال لا آخر له ، ولو استقصينا أعمارا طويلة لم نقدر على شرح ما تفضل الله تعالى علينا بمعرفته ، وكل ما عرفناه قليل نزر حقير بالإضافة إلى ما عرفه جملة العلماء والأولياء وما عرفوه قليل نزر حقير بالإضافة إلى ما عرفه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وجملة ما عرفوه قليل بالإضافة إلى ما عرفه
محمد نبينا صلى الله عليه وسلم ، وما عرفه الأنبياء كلهم قليل بالإضافة إلى ما عرفته الملائكة المقربون
كإسرافيل ، وجبريل ، وغيرهما ثم جميع علوم الملائكة ، والجن ، والإنس ، إذا أضيف إلى علم الله سبحانه وتعالى لم يستحق أن يسمى علما ، بل هو إلى أن يسمى دهشا وحيرة وقصورا وعجزا أقرب .
فسبحان من عرف عباده ما عرف ثم خاطب جميعهم فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
فهذا بيان معاقد الجمل التي تجول فيها فكر المتفكرين في خلق الله تعالى ، وليس فيها فكر في ذات الله تعالى ولكن
nindex.php?page=treesubj&link=19780_19778يستفاد من الفكر في الخلق لا محالة معرفة الخالق وعظمته ، وجلاله وقدرته وكلما استكثرت من معرفة عجيب صنع الله تعالى كانت معرفتك بجلاله وعظمته أتم .
وهذا كما أنك تعظم عالما بسبب معرفتك بعلمه ، فلا تزال تطلع على غريبة غريبة من تصنيفه أو شعره فتزداد به معرفة ، وتزداد بحسنه له توقيرا وتعظيما واحتراما ، حتى إن كل كلمة من كلماته ، وكل بيت عجيب من أبيات شعره ، يزيده محلا من قلبك يستدعي ، التعظيم له في نفسك .
فهكذا
nindex.php?page=treesubj&link=32438تأمل في خلق الله تعالى وتصنيفه وتأليفه ، وكل ما في الوجود من خلق الله وتصنيفه والنظر والفكر فيه لا يتناهى أبدا ، وإنما لكل عبد .
منها بقدر ما رزق فلنقتصر على ما ذكرناه ، ولنضف إلى هذا ما فصلناه في كتاب الشكر فإنا ، نظرنا في ذلك الكتاب في فعل الله تعالى من حيث هو إحسان إلينا وإنعام علينا .
وفي ، هذا الكتاب نظرنا فيه من حيث أنه فعل الله فقط وكل ما نظرنا فيه فإن الطبيعي ينظر فيه ويكون نظره سبب ضلاله وشقاوته والموفق ينظر فيه فيكون سبب هدايته وسعادته .
وما من ذرة في السماء والأرض إلا والله سبحانه وتعالى يضل بها من يشاء ، ويهدي بها من يشاء ، فمن نظر في هذه الأمور من حيث إنها فعل الله تعالى وصنعه استفاد منه المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته واهتدى به ومن نظر فيها قاصرا للنظر عليها من حيث تأثير بعضها في بعض لا من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب فقد شقي وارتدى فنعوذ بالله من الضلال ، ونسأله أن يجنبنا مزلة أقدام الجهال بمنه وكرمه وفضله وجوده ورحمته .
تم الكتاب التاسع من ربع المنجيات والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله وسلامه يتلوه كتاب ذكر الموت وما بعده وبه كمل جميع الديوان بحمد الله تعالى وكرمه .
وَلْنَقْبِضْ عِنَانَ الْكَلَامِ عَنْ هَذَا النَّمَطِ فَإِنَّهُ مَجَالٌ لَا آخِرَ لَهُ ، وَلَوِ اسْتَقْصَيْنَا أَعْمَارًا طَوِيلَةً لَمْ نَقْدِرْ عَلَى شَرْحِ مَا تَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِمَعْرِفَتِهِ ، وَكُلُّ مَا عَرَفْنَاهُ قَلِيلٌ نَزْرٌ حَقِيرٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا عَرَفَهُ جُمْلَةُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَمَا عَرَفُوهُ قَلِيلٌ نَزْرٌ حَقِيرٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا عَرَفَهُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَجُمْلَةُ مَا عَرَفُوهُ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا عَرَفَهُ
مُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا عَرَفَهُ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا عَرَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
كَإِسْرَافِيلَ ، وَجِبْرِيلَ ، وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ جَمِيعُ عُلُومُ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْجِنِّ ، وَالْإِنْسِ ، إِذَا أُضِيفَ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يُسَمَّى عِلْمًا ، بَلْ هُوَ إِلَى أَنْ يُسَمَّى دَهْشًا وَحَيْرَةً وَقُصُورًا وَعَجْزًا أَقْرَبُ .
فَسُبْحَانَ مَنْ عَرَّفَ عِبَادَهُ مَا عَرَّفَ ثُمَّ خَاطَبَ جَمِيعَهُمْ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا .
فَهَذَا بَيَانُ مَعَاقِدِ الْجُمَلِ الَّتِي تَجُولُ فِيهَا فِكْرُ الْمُتَفَكِّرِينَ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَيْسَ فِيهَا فِكْرٌ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19780_19778يُسْتَفَادُ مِنَ الْفِكْرِ فِي الْخَلْقِ لَا مَحَالَةَ مَعْرِفَةُ الْخَالِقِ وَعَظَمَتِهِ ، وَجَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكُلَّمَا اسْتَكْثَرْتَ مِنْ مَعْرِفَةِ عَجِيبِ صُنْعٍ اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ مَعْرِفَتُكَ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ أَتَمَّ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّكَ تُعَظِّمُ عَالِمًا بِسَبَبِ مَعْرِفَتِكَ بِعِلْمِهِ ، فَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى غَرِيبَةٍ غَرِيبَةٍ مِنْ تَصْنِيفِهِ أَوْ شِعْرِهِ فَتَزْدَادُ بِهِ مَعْرِفَةً ، وَتَزْدَادُ بِحُسْنِهِ لَهُ تَوْقِيرًا وَتَعْظِيمًا وَاحْتِرَامًا ، حَتَّى إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِهِ ، وَكُلَّ بَيْتٍ عَجِيبٍ مِنْ أَبْيَاتِ شِعْرِهِ ، يَزِيدُهُ مَحَلًّا مِنْ قَلْبِكَ يَسْتَدْعِي ، التَّعْظِيمَ لَهُ فِي نَفْسِكَ .
فَهَكَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=32438تَأَمَّلْ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصْنِيفِهِ وَتَأْلِيفِهِ ، وَكُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَتَصْنِيفِهِ وَالنَّظَرِ وَالْفِكْرِ فِيهِ لَا يَتَنَاهَى أَبَدًا ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ عَبْدٍ .
مِنْهَا بِقَدْرِ مَا رُزِقَ فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَلْنُضِفْ إِلَى هَذَا مَا فَصَّلْنَاهُ فِي كِتَابِ الشُّكْرِ فَإِنَّا ، نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ فِي فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ هُوَ إِحْسَانٌ إِلَيْنَا وَإِنْعَامٌ عَلَيْنَا .
وَفِي ، هَذَا الْكِتَابِ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ فِعْلُ اللَّهِ فَقَطْ وَكُلُّ مَا نَظَرْنَا فِيهِ فَإِنَّ الطَّبِيعِيَّ يَنْظُرُ فِيهِ وَيَكُونُ نَظَرُهُ سَبَبَ ضَلَالِهِ وَشَقَاوَتِهِ وَالْمُوَفَّقُ يَنْظُرُ فِيهِ فَيَكُونُ سَبَبَ هِدَايَتِهِ وَسَعَادَتِهِ .
وَمَا مِنْ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُضِلُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ، وَيَهْدِي بِهَا مَنْ يَشَاءُ ، فَمَنْ نَظَرَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَصُنْعُهُ اسْتَفَادَ مِنْهُ الْمَعْرِفَةَ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَاهْتَدَى بِهِ وَمَنْ نَظَرَ فِيهَا قَاصِرًا لِلنَّظَرِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ لَا مِنْ حَيْثُ ارْتِبَاطِهَا بِمُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ فَقَدْ شَقِيَ وَارْتَدَى فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلَالِ ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُجَنِّبَنَا مَزَلَّةَ أَقْدَامِ الْجُهَّالِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَفَضْلِهِ وَجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ .
تَمَّ الْكِتَابُ التَّاسِعُ مِنْ رُبْعِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَامُهُ يَتْلُوهُ كِتَابُ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ وَبِهِ كَمُلَ جَمِيعُ الدِّيوَانِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ .