الباب الثالث في
nindex.php?page=treesubj&link=32890سكرات الموت وشدته وما يستحب من الأحوال عنده .
اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ، ولا هول ولا عذاب ، سوى سكرات الموت بمجردها ، لكان جديرا بأن يتنغص عليه عيشه ، ويتكدر عليه سروره ، ويفارقه سهوه ، وغفلته وحقيق بأن يطول فيه فكره ، ويعظم له استعداده ، لا سيما وهو في كل نفس بصدده ; كما قال بعض الحكماء : " كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك .
". وقال
لقمان لابنه : " يا بني ، أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك .
والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات ، وأطيب مجالس اللهو ، فانتظر أن يدخل عليه جندي فيضربه خمس خشبات لتكدرت عليه لذته ، وفسد عليه عيشه . وهو في كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك الموت بسكرات النزع ، وهو عنه غافل ، فما لهذا سبب إلا الجهل والغرور واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=32890شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها ، ومن لم يذقها فإنما يعرفها إلا بالقياس إلى الآلام التي أدركها ، وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه .
فأما القياس الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم فإذا كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح ، فمهما أصاب العضو جرح أو حريق سرى الأثر إلى الروح فبقدر ، ما يسري إلى الروح يتألم ، والمؤلم يتفرق على اللحم والدم ، وسائر الأجزاء ، فلا يصيب الروح إلا بعض الألم ، فإن كان في الآلام ما يباشر نفس الروح ، ولا يلاقي غيره ، فما أعظم ذلك الألم ، وما أشده .
والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح ، فاستغرق جميع أجزائه ، حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم ; فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة وإنما يعظم أثر الاحتراق لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء البدن ، فلا يبقى جزء من العضو المحترق ظاهرا وباطنا إلا وتصيبه النار ، فتحسه الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم .
وأما الجراحة فإنما تصيب الموضع الذي مسه الحديد فقط ; فكان لذلك ألم الجرح دون ألم النار . فألم النزع يهجم على نفس الروح ، ويستغرق جميع أجزائه ، فإنه المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق ، وعصب من الأعصاب ، وجزء من الأجزاء ، ومفصل من المفاصل ، ومن أصل كل شعرة ، وبشرة ، من الفرق إلى القدم . فلا تسأل عن كربه ، وألمه ، حتى قالوا إن الموت لأشد من ضرب بالسيف ، ونشر بالمناشير ، وقرض بالمقاريض لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح ، فكيف إذا كان المقاول المباشر نفس الروح ! وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه ، وفي لسانه ، وإنما انقطع صوت الميت وصياحه من شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه ; وتصاعد على قلبه وبلغ ، كل موضع منه ، فهد كل قوة ، وضعف كل جارحة ، فلم يترك له قوة الاستغاثة .
أما العقل فقد غشيه وشوشه .
وأما اللسان فقد أبكمه وأما الأطراف فقد ضعفها .
ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين ، والصياح ، والاستغاثة ، ولكنه لا يقدر على ذلك . فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خوارا ، وغرغرة من حلقه ، وصدره وقد تغير لونه واربد ، حتى كأنه ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته ، وقد جذب منه كل عرق على حياله . فالألم منتشر في داخله وخارجه ، حتى ترتفع الحدقتان إلى أعالي أجفانه ، وتتقلص الشفتان ، ويتقلص اللسان إلى أصله ، وترتفع الأنثيان إلى أعالي موضعهما ، وتخضر أنامله .
فلا تسل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه ، ولو كان المجذوب عرقا واحدا لكان ألمه عظيما ، فكيف والمجذوب نفس الروح المتألم لا من عرق واحد بل من جميع العروق .
! ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجا ، فتبرد أولا قدماه ثم ساقاه ثم فخذاه ولكل عضو سكرة بعد سكرة ، وكربة بعد كربة ، حتى يبلغ بها إلى الحلقوم فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها ويغلق دونه باب التوبة ، وتحيط به الحسرة ، والندامة وقال ، رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=686730 " توبة العبد ما لم يغرغر " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن قال : إذا عاين الرسل فعند ذلك تبدو له صفحة وجه ملك الموت ، فلا تسأل عن طعم مرارة الموت ، وكربه ، عند ترادف سكراته ولذلك
كان رسول الله : صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم هون على محمد سكرات الموت والناس إنما لا يستعيذون منه ولا يستعظمونه ، لجهلهم به ، فإن الأشياء قبل وقوعها إنما تدرك بنور النبوة والولاية ، ولذلك عظم
nindex.php?page=treesubj&link=34097خوف الأنبياء عليهم السلام ، والأولياء ، من الموت ، حتى قال
عيسى عليه السلام : يا معشر الحواريين ادعوا الله تعالى أن يهون علي هذه السكرة يعني الموت فقد خفت الموت مخافة أوقفني خوفي من الموت على الموت وروي أن نفرا من
بني إسرائيل مروا بمقبرة ، فقال بعضهم لبعض : لو دعوتم الله تعالى أن يخرج لكم من هذه المقبرة ميتا تسألونه فدعوا الله تعالى ، فإذا هم برجل قد قام وبين عينيه أثر السجود ، قد خرج من قبر من القبور ، فقال : يا قوم ما أردتم مني ، لقد ذقت الموت منذ خمسين سنة ما سكنت مرارة الموت من قلبي .
وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها : لا أغبط أحدا يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي
أنه عليه السلام كان يقول : اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب ، والقصب ، والأنامل ، اللهم فأعني على الموت ، وهونه علي وعن الحسن
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الموت ، وغصته ، وألمه ، فقال : هو قدر ثلاثمائة ضربة بالسيف .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن
nindex.php?page=treesubj&link=32890الموت وشدته ، فقال : إن أهون الموت بمنزلة حسكة في صوف ، فهل تخرج الحسكة من الصوف إلا ومعها صوف !
nindex.php?page=hadith&LINKID=933434ودخل صلى الله عليه وسلم على مريض ثم قال : إني أعلم ما يلقى ما منه عرق إلا ويألم للموت على حدته .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه يحض على القتال ويقول : إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي بلغنا أن الميت يجد ألم الموت ما لم يبعث من قبره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=75شداد بن أوس الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن ، وهو أشد من نشر بالمناشير ، وقرض بالمقاريض ، وغلى في القدور ، ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بالموت ما انتفعوا بعيش ، ولا لذوا بنوم .
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال : إذا بقي على المؤمن من درجاته شيء لم يبلغها بعمله شدد عليه الموت ، ليبلغ بسكرات الموت وكربه درجته في الجنة . وإذا كان للكافر معروف لم يجز به هون عليه في الموت ، ليستكمل ثواب معروفه ، فيصير إلى النار .
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32890سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَشِدَّتِهِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْأَحْوَالِ عِنْدَهُ .
اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيِ الْعَبْدِ الْمِسْكِينِ كَرْبٌ ، وَلَا هَوْلٌ وَلَا عَذَابٌ ، سِوَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ بِمُجَرَّدِهَا ، لَكَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يَتَنَغَّصَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ ، وَيَتَكَدَّرَ عَلَيْهِ سُرُورُهُ ، وَيُفَارِقَهُ سَهْوُهُ ، وَغَفْلَتُهُ وَحَقِيقٌ بِأَنْ يَطُولَ فِيهِ فِكْرُهُ ، وَيَعْظُمَ لَهُ اسْتِعْدَادُهُ ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ فِي كُلِّ نَفْسٍ بِصَدَدِهِ ; كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : " كَرْبٌ بِيَدِ سِوَاكَ لَا تَدْرِي مَتَى يَغْشَاكَ .
". وَقَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ : " يَا بُنَيَّ ، أَمْرٌ لَا تَدْرِي مَتَى يَلْقَاكَ اسْتَعِدَّ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْجَأَكَ .
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ كَانَ فِي أَعْظَمِ اللَّذَّاتِ ، وَأَطْيَبِ مَجَالِسِ اللَّهْوِ ، فَانْتَظَرَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ جُنْدِيٌّ فَيَضْرِبَهُ خَمْسَ خَشَبَاتٍ لَتَكَدَّرَتْ عَلَيْهِ لَذَّتُهُ ، وَفَسَدَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ . وَهُوَ فِي كُلِّ نَفْسٍ بِصَدَدِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ بِسَكَرَاتِ النَّزْعِ ، وَهُوَ عَنْهُ غَافِلٌ ، فَمَا لِهَذَا سَبَبٌ إِلَّا الْجَهْلُ وَالْغُرُورُ وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32890شِدَّةَ الْأَلَمِ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ لَا يَعْرِفُهَا بِالْحَقِيقَةِ إِلَّا مَنْ ذَاقَهَا ، وَمَنْ لَمْ يَذُقْهَا فَإِنَّمَا يَعْرِفُهَا إِلَّا بِالْقِيَاسِ إِلَى الْآلَامِ الَّتِي أَدْرَكَهَا ، وَإِمَّا بِالِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِ النَّاسِ فِي النَّزْعِ عَلَى شِدَّةِ مَا هُمْ فِيهِ .
فَأَمَّا الْقِيَاسُ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ فَهُوَ أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَا رُوحَ فِيهِ فَلَا يُحِسُّ بِالْأَلَمِ فَإِذَا كَانَ فِيهِ الرُّوحُ فَالْمُدْرِكُ لِلْأَلَمِ هُوَ الرُّوحُ ، فَمَهْمَا أَصَابَ الْعُضْوَ جُرْحٌ أَوْ حَرِيقٌ سَرَى الْأَثَرُ إِلَى الرُّوحِ فَبِقَدْرِ ، مَا يَسْرِي إِلَى الرُّوحِ يَتَأَلَّمُ ، وَالْمُؤْلِمُ يَتَفَرَّقُ عَلَى اللَّحْمِ وَالدَّمِ ، وَسَائِرِ الْأَجْزَاءِ ، فَلَا يُصِيبُ الرُّوحَ إِلَّا بَعْضُ الْأَلَمِ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْآلَامِ مَا يُبَاشِرُ نَفْسَ الرُّوحِ ، وَلَا يُلَاقِي غَيْرَهُ ، فَمَا أَعْظَمَ ذَلِكَ الْأَلَمَ ، وَمَا أَشَدَّهُ .
وَالنَّزْعُ عِبَارَةٌ عَنْ مُؤْلِمٍ نَزَلَ بِنَفْسِ الرُّوحِ ، فَاسْتَغْرَقَ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الرُّوحِ الْمُنْتَشِرِ فِي أَعْمَاقِ الْبَدَنِ إِلَّا وَقَدْ حَلَّ بِهِ الْأَلَمُ ; فَلَوْ أَصَابَتْهُ شَوْكَةٌ فَالْأَلَمُ الَّذِي يَجِدُهُ إِنَّمَا يَجْرِي فِي جُزْءٍ مِنَ الرُّوحِ يُلَاقِي ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَصَابَتْهُ الشَّوْكَةُ وَإِنَّمَا يَعْظُمُ أَثَرُ الِاحْتِرَاقِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّارِ تَغُوصُ فِي سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ ، فَلَا يَبْقَى جُزْءٌ مِنَ الْعُضْوِ الْمُحْتَرِقِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إِلَّا وَتُصِيبُهُ النَّارُ ، فَتُحِسُّهُ الْأَجْزَاءُ الرُّوحَانِيَّةُ الْمُنْتَشِرَةُ فِي سَائِرِ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ .
وَأَمَّا الْجِرَاحَةُ فَإِنَّمَا تُصِيبُ الْمَوْضِعَ الَّذِي مَسَّهُ الْحَدِيدُ فَقَطْ ; فَكَانَ لِذَلِكَ أَلَمُ الْجُرْحِ دُونَ أَلَمِ النَّارِ . فَأَلَمُ النَّزْعِ يَهْجُمُ عَلَى نَفْسِ الرُّوحِ ، وَيَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ ، فَإِنَّهُ الْمَنْزُوعُ الْمَجْذُوبُ مِنْ كُلِّ عِرْقٍ مِنَ الْعُرُوقِ ، وَعَصَبٍ مِنَ الْأَعْصَابِ ، وَجُزْءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ ، وَمَفْصِلٍ مِنَ الْمَفَاصِلِ ، وَمِنْ أَصْلِ كُلِّ شَعَرَةٍ ، وَبَشَرَةٍ ، مِنَ الْفَرْقِ إِلَى الْقَدَمِ . فَلَا تَسْأَلْ عَنْ كَرْبِهِ ، وَأَلَمِهِ ، حَتَّى قَالُوا إِنَّ الْمَوْتَ لَأَشَدُّ مِنْ ضَرْبٍ بِالسَّيْفِ ، وَنَشْرٍ بِالْمَنَاشِيرِ ، وَقَرْضٍ بِالْمَقَارِيضِ لِأَنَّ قَطْعَ الْبَدَنِ بِالسَّيْفِ إِنَّمَا يُؤْلِمُ لِتَعَلُّقِهِ بِالرُّوحِ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْمُقَاوِلُ الْمُبَاشَرُ نَفْسَ الرُّوحِ ! وَإِنَّمَا يَسْتَغِيثُ الْمَضْرُوبُ وَيُصِيحُ لِبَقَاءِ قُوَّتِهِ فِي قَلْبِهِ ، وَفِي لِسَانِهِ ، وَإِنَّمَا انْقَطَعَ صَوْتُ الْمَيِّتِ وَصِيَاحُهُ مِنْ شِدَّةِ أَلَمِهِ لِأَنَّ الْكَرْبَ قَدْ بَالَغَ فِيهِ ; وَتَصَاعَدَ عَلَى قَلْبِهِ وَبَلَغَ ، كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ ، فَهَدَّ كُلَّ قُوَّةٍ ، وَضَعَّفَ كُلَّ جَارِحَةٍ ، فَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ قُوَّةَ الِاسْتِغَاثَةِ .
أَمَّا الْعَقْلُ فَقَدْ غَشِيَهُ وَشَوَّشَهُ .
وَأَمَّا اللِّسَانُ فَقَدْ أَبْكَمَهُ وَأَمَّا الْأَطْرَافُ فَقَدْ ضَعَّفَهَا .
وَيَوَدُّ لَوْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِرَاحَةِ بِالْأَنِينِ ، وَالصِّيَاحِ ، وَالِاسْتِغَاثَةِ ، وَلَكِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ . فَإِنْ بَقِيَتْ فِيهِ قُوَّةٌ سَمِعْتَ لَهُ عِنْدَ نَزْعِ الرُّوحِ وَجَذْبِهَا خُوَارًا ، وَغَرْغَرَةً مِنْ حَلْقِهِ ، وَصَدْرِهِ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَارْبَدَّ ، حَتَّى كَأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ التُّرَابُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ فِطْرَتِهِ ، وَقَدْ جُذِبَ مِنْهُ كُلُّ عِرْقٍ عَلَى حِيَالِهِ . فَالْأَلَمُ مُنْتَشِرٌ فِي دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ ، حَتَّى تَرْتَفِعَ الْحَدَقَتَانِ إِلَى أَعَالِي أَجْفَانِهِ ، وَتَتَقَلَّصَ الشَّفَتَانِ ، وَيَتَقَلَّصَ اللِّسَانُ إِلَى أَصْلِهِ ، وَتَرْتَفِعَ الْأُنْثَيَانِ إِلَى أَعَالِي مَوْضِعِهِمَا ، وَتَخْضَرَّ أَنَامِلُهُ .
فَلَا تَسَلْ عَنْ بَدَنٍ يُجْذَبُ مِنْهُ كُلُّ عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْذُوبُ عِرْقًا وَاحِدًا لَكَانَ أَلَمُهُ عَظِيمًا ، فَكَيْفَ وَالْمَجْذُوبُ نَفْسُ الرُّوحِ الْمُتَأَلِّمِ لَا مِنْ عِرْقٍ وَاحِدٍ بَلْ مِنْ جَمِيعِ الْعُرُوقِ .
! ثُمَّ يَمُوتُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ تَدْرِيجًا ، فَتَبْرُدُ أَوَّلًا قَدَمَاهُ ثُمَّ سَاقَاهُ ثُمَّ فَخِذَاهُ وَلِكُلِّ عُضْوٍ سَكْرَةٌ بَعْدَ سَكْرَةٍ ، وَكُرْبَةٌ بَعْدَ كُرْبَةٍ ، حَتَّى يَبْلُغَ بِهَا إِلَى الْحُلْقُومَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ نَظَرُهُ عَنِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا وَيُغْلَقُ دُونَهُ بَابُ التَّوْبَةِ ، وَتُحِيطُ بِهِ الْحَسْرَةُ ، وَالنَّدَامَةُ وَقَالَ ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُقْبَلُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=686730 " تَوْبَةُ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ " وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=18وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ قَالَ : إِذَا عَايَنَ الرُّسُلَ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبْدُو لَهُ صَفْحَةُ وَجْهِ مَلَكِ الْمَوْتِ ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ طَعْمِ مَرَارَةِ الْمَوْتِ ، وَكَرْبِهِ ، عِنْدَ تَرَادُفِ سَكَرَاتِهِ وَلِذَلِكَ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَى مُحَمَّدٍ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَالنَّاسُ إِنَّمَا لَا يَسْتَعِيذُونَ مِنْهُ وَلَا يَسْتَعْظِمُونَهُ ، لِجَهْلِهِمْ بِهِ ، فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ وُقُوعِهَا إِنَّمَا تُدْرَكُ بِنُورِ النُّبُوَّةِ وَالْوِلَايَةِ ، وَلِذَلِكَ عَظُمَ
nindex.php?page=treesubj&link=34097خَوْفُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَالْأَوْلِيَاءِ ، مِنَ الْمَوْتِ ، حَتَّى قَالَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ ادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيَّ هَذِهِ السَّكْرَةَ يَعْنِي الْمَوْتُ فَقَدْ خِفْتُ الْمَوْتَ مَخَافَةً أَوْقَفَنِي خَوْفِي مِنَ الْمَوْتِ عَلَى الْمَوْتِ وَرُوِيَ أَنَّ نَفَرًا مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مَرُّوا بِمَقْبَرَةٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : لَوْ دَعَوْتُمُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُخْرِجَ لَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْمَقْبَرَةِ مَيِّتًا تَسْأَلُونَهُ فَدَعَوُا اللَّهَ تَعَالَى ، فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ قَدْ قَامَ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ ، قَدْ خَرَجَ مِنْ قَبْرٍ مِنَ الْقُبُورِ ، فَقَالَ : يَا قَوْمُ مَا أَرَدْتُمْ مِنِّي ، لَقَدْ ذُقْتُ الْمَوْتَ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً مَا سَكَنَتْ مَرَارَةُ الْمَوْتِ مِنْ قَلْبِي .
وَقَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : لَا أَغْبِطُ أَحَدًا يُهَوَّنُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَأْخُذُ الرُّوحَ مِنْ بَيْنِ الْعَصَبِ ، وَالْقَصَبِ ، وَالْأَنَامِلِ ، اللَّهُمَّ فَأَعِنِّي عَلَى الْمَوْتِ ، وَهَوِّنْهُ عَلَيَّ وَعَنِ الْحَسَنِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْمَوْتَ ، وَغُصَّتَهُ ، وَأَلَمَهُ ، فَقَالَ : هُوَ قَدْرُ ثَلَاثِمِائَةِ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ .
وَسُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=32890الْمَوْتِ وَشِدَّتِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ أَهْوَنَ الْمَوْتِ بِمَنْزِلَةِ حَسَكَةٍ فِي صُوفٍ ، فَهَلْ تَخْرُجُ الْحَسَكَةُ مِنَ الصُّوفِ إِلَّا وَمَعَهَا صُوفٌ !
nindex.php?page=hadith&LINKID=933434وَدَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرِيضٍ ثُمَّ قَالَ : إِنِّي أَعْلَمُ مَا يَلْقَى مَا مِنْهُ عِرْقٌ إِلَّا وَيَأْلَمُ لِلْمَوْتِ عَلَى حِدَتِهِ .
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَحُضُّ عَلَى الْقِتَالِ وَيَقُولُ : إِنْ لَمْ تُقْتَلُوا تَمُوتُوا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مَوْتٍ عَلَى فِرَاشٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنَا أَنَّ الْمَيِّتَ يَجِدُ أَلَمَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُبْعَثْ مِنْ قَبْرِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=75شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ الْمَوْتُ أَفْظَعُ هَوْلٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ نَشْرٍ بِالْمَنَاشِيرِ ، وَقَرْضٍ بِالْمَقَارِيضِ ، وَغَلَى فِي الْقُدُورِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ نُشِرَ فَأَخْبَرَ أَهْلَ الدُّنْيَا بِالْمَوْتِ مَا انْتَفَعُوا بِعَيْشٍ ، وَلَا لَذُّوا بِنَوْمٍ .
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : إِذَا بَقِيَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ دَرَجَاتِهِ شَيْءٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ شُدِّدَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ ، لِيَبْلُغَ بِسَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ دَرَجَتَهُ فِي الْجَنَّةِ . وَإِذَا كَانَ لِلْكَافِرِ مَعْرُوفٌ لَمْ يُجْزَ بِهِ هُوِّنَ عَلَيْهِ فِي الْمَوْتِ ، لِيَسْتَكْمِلَ ثَوَابَ مَعْرُوفِهِ ، فَيَصِيرَ إِلَى النَّارِ .