قالت عائشة ، رضي الله عنها : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ارتفاع الضحى وانتصاف النهار يوم الاثنين قالت فاطمة رضي الله عنها : ما لقيت من يوم الاثنين ، والله لا تزال الأمة تصاب فيه بعظيمة وقالت أم كلثوم يوم أصيب علي كرم الله وجهه بالكوفة مثلها ما لقيت من يوم الاثنين ، مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قتل علي كرم ، وفيه قتل أبي فما لقيت من يوم الاثنين وقالت عائشة رضي الله عنها : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتحم الناس حين ارتفعت الرنة وسجى رسول الله صلى الله عليه وسلم الملائكة بثوبي ، فاختلفوا فكذب بعضهم بموته ، وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد البعد ، وخلط آخرون فلاثوا الكلام بغير بيان وبقي آخرون معهم عقولهم ، وأقعد آخرون ، فكان عمر بن الخطاب فيمن كذب بموته علي فيمن أقعد وعثمان فيمن أخرس .
فخرج عمر على الناس ، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت وليرجعنه الله عز وجل وليقطعن أيدي وأرجل رجال من المنافقين يتمنون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الموت ، إنما واعده الله عز وجل كما واعد موسى وهو آتيكم ، وفي رواية أنه قال : يا أيها الناس كفوا ألسنتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يمت ، والله لا أسمع أحدا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات إلا علوته بسيفي هذا ، وأما علي فإنه أقعد فلم يبرح في البيت .
وأما عثمان فجعل لا يكلم أحدا ، يؤخذ بيده فيجاء به ويذهب به ، ولم يكن أحد من المسلمين في مثل حال أبي بكر والعباس فإن الله عز وجل أيدهما بالتوفيق والسداد ، وإن كان الناس لم يرعووا إلا بقول أبي بكر حتى جاء العباس فقال : والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت ، ولقد قال وهو بين أظهركم : إنك ميت وإنهم ميتون ، ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون .
وبلغ أبا بكر الخبر وهو في بني الحارث بن الخزرج فجاء ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه .
ثم أكب عليه فقبله ثم قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما كان الله تعالى ليذيقك الموت مرتين فقد والله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج إلى الناس فقال : أيها الناس ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد رب محمد فإنه حي لا يموت . قال الله تعالى : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم الآية ، فكأن الناس لم يسمعوا هذه الآية إلا يومئذ وفي رواية أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما بلغه الخبر دخل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان وغصصه ترتفع كقصع الجرة وهو في ذلك جلد الفعل والمقال فأكب عليه فكشف عن وجهه ، وقبل جبينه وخديه ، ومسح وجهه ، وجعل يبكي ويقول : بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي ، طبت حيا وميتا ، انقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء والنبوة ، فعظمت عن الصفة وجللت عن البكاء وخصصت حتى صرت مسلاة وعممت حتى صرنا فيك سواء ، ولولا أن موتك كان اختيارا منك لجدنا لحزنك بالنفوس ولولا أنك نهيت عن البكاء لأنفدنا عليك ماء العيون فأما ما لا نستطيع نفيه عنا فكمد وادكار محالفان لا يبرحان ، اللهم فأبلغه عنا ، اذكرنا يا محمد صلى الله عليك عند ربك ولنكن من بالك ، فلولا ما خلفت من السكينة لم يقم أحد لما خلفت من الوحشة ، اللهم أبلغ نبيك عنا واحفظه فينا .


