الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان منامات تكشف عن أحوال الموتى والأعمال النافعة في الآخرة .

فمن ذلك رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال ، عليه السلام : من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فرأيته لا ينظر إلي ، فقلت : يا رسول الله ، ما شأني ؟ فالتفت إلي ، وقال : ألست المقبل وأنت صائم قال ؟ : والذي نفسي بيده لا أقبل امرأة وأنا صائم أبدا وقال العباس رضي الله عنه كنت ودا لعمر فاشتهيت أن أراه في المنام فما رأيته إلا عند رأس الحول ، فرأيته يمسح العرق عن جبينه وهو يقول : هذا أوان فراغي إن كان عرشي ليهد لولا أني لقيته رءوفا رحيما وقال الحسن بن علي قال لي علي رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنح لي الليلة في منامي ، فقلت : يا رسول الله ، ما لقيت من أمتك قال ادع : عليهم ، فقلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم وأبدلهم بي ، من هو شر لهم مني فخرج فضربه ابن ملجم وقال بعض الشيوخ : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ، استغفر لي ؛ فأعرض عني فقلت : يا رسول الله ، إن سفيان بن عيينة ، حدثنا عن محمد بن المنكدر .

عن جابر بن عبد الله أنك لم تسأل شيئا قط ، فقلت : لا ، فأقبل علي ؛ فقال : غفر الله لك وروي عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت مؤاخيا لأبي لهب مصاحبا له فلما مات وأخبر الله عنه بما أخبر حزنت عليه وأهمني أمره فسألت الله تعالى حولا أن يريني إياه في المنام ، قال : فرأيته يلتهب نارا ، فسألته عن حاله ، فقال : صرت إلى النار في العذاب لا يخفف عني ولا يروح إلا ليلة الاثنين في كل الأيام والليالي ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال : ولد في تلك الليلة محمد صلى الله عليه وسلم فجاءتني أميمة فبشرتني بولادة آمنة إياه ، ففرحت به وأعتقت وليدة لي فرحا به ، فأثابني الله بذلك أن رفع عني العذاب في كل ليلة اثنين وقال عبد الواحد بن زيد خرجت حاجا فصحبني رجل كان لا يقوم ولا يقعد ولا يتحرك ولا يسكن إلا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فقال : أخبرك عن ذلك ، خرجت أول مرة إلى مكة ومعي أبي ، فلما انصرفنا نمت في بعض المنازل ، فبينما أنا نائم إذ أتاني آت ، فقال لي : قم فقد أمات الله أباك وسود وجهه ، قال : فقمت مذعورا فكشفت الثوب عن وجهه فإذا هو ميت أسود الوجه فداخلني من ذلك رعب ، فبينما أنا في ذلك الغم إذ غلبتني عيني فنمت ، فإذا على رأس أبي أربعة سودان معهم أعمدة حديد ؛ إذ أقبل رجل حسن الوجه بين ثوبين أخضرين ، فقال لهم : تنحوا ، فمسح وجهه بيده ، ثم أتاني ، فقال : قم ، فقد بيض الله وجه أبيك ، فقلت له : من أنت بأبي أنت وأمي ، فقال : أنا محمد ، قال : فقمت فكشفت الثوب عن وجه أبي ، فإذا هو أبيض فما تركت الصلاة بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن عبد العزيز قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان عنده فسلمت وجلست ، فبينما أنا جالس إذ أتي بعلي ومعاوية فأدخلا بيتا وأجيف عليهما الباب وأنا أنظر ، فما كان بأسرع من أن خرج علي رضي الله عنه وهو يقول : قضى لي ورب الكعبة وما كان بأسرع من أن خرج معاوية على أثره وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة واستيقظ ابن عباس رضي الله عنهما مرة من نومه فاسترجع وقال : قتل الحسين والله ، وكان ذلك قبل قتله ، فأنكره أصحابه فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم فقال ألا تعلم : ما صنعت أمتي بعدي ؟ قتلوا ابني الحسين ، وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلى الله تعالى . فجاء الخبر بعد أربعة وعشرين يوما بقتله في اليوم الذي رآه ورئي الصديق رضي الله عنه فقيل له : إنك كنت تقول أبدا في لسانك : هذا أوردني الموارد ، فماذا فعل الله بك ، قال : قلت به لا إله إلا الله فأوردني الجنة .

التالي السابق


(بيان منامات تكشف عن أحوال الموتى والأعمال النافعة في الآخرة)

(فمن ذلك رؤيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد قال، صلى الله عليه وسلم: من رآني) أي: في نومه (فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي) .

قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي هريرة . انتهى. قلت: المتفق عليه من حديث أبي هريرة لفظه: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي، وهكذا أورده أبو داود أيضا، ورواه الطبراني من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي، وأما لفظ المصنف فقد رواه الديلمي من طريق يحيى بن سعيد العطار عن سعيد بن ميسرة، وهما واهيان، عن أنس، وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة وروايات متعددة، منها: من رآني في المنام فقد رآني، رواه أحمد وابن أبي شيبة والسراج والبغوي والدارقطني في الأفراد من رواية أبي مالك الأشجعي، عن أبيه مرفوعا .

ومنها: من رآني في المنام فقد رآني؛ إن الشيطان لا يتمثل في صورتي . رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود وأبي هريرة وجابر .

ومنها: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي . رواه ابن النجار من حديث البراء، ومنها: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي . رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه من حديث ابن مسعود، ورواه أحمد وابن ماجه والطبراني من حديث ابن عباس والخطيب، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبيه، وابن أبي شيبة وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري، وابن النجار من حديث عمران بن حصين .

ومنها: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتصور بي، رواه الروياني والضياء من حديث البراء، ومنها: من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة، فمن رآني فقد رآني حقا؛ فإن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي . رواه الطبراني من حديث ابن عمر، وابن عساكر من حديث عمرو، وابن ماجه وأبو يعلى والطبراني من حديث أبي جحيفة، ومنها: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتشبه بي . رواه ابن عساكر من حديث أبي جحيفة، ومنها من رآني فقد رأى الحق؛ فإن الشيطان لا يتراءى بي. رواه أحمد والشيخان من حديث أبي قتادة .

ومنها: من رآني في المنام فقد رآني إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي، رواه أحمد وعبد بن حميد ومسلم وابن ماجه من حديث جابر، ورواه أحمد من حديث ابن مسعود .

ومنها: من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني. رواه أحمد والبخاري من حديث أبي سعيد الخدري، ومنها: من رآني فإني أنا هو؛ فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي . رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، ومنها: من رآني في المنام فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتشبه بي . رواه أحمد من حديث أبي هريرة، ومنها: من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة . رواه ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي في الشمائل وأبو عوانة من حديث أنس، ورواه أحمد أيضا ومسلم وابن ماجه من حديث أبي هريرة .

ومنها: من رآني في المنام فقد رآني فإني أرى في كل صورة . رواه أبو نعيم من حديث أبي هريرة . ومنها: من رآني في المنام فقد رأى الحق؛ إن الشيطان لا يتمثل بي . رواه الخطيب في المتفق والمفترق عن ثابت بن عبيد بن أبي بكرة، عن أبيه، عن جده .

فهذه ألفاظ هذا الحديث وهو متواتر، وكما ذكره السيوطي وغيره، والمعنى: من رآني في المنام بصفتي التي أنا عليها وكذا بغيرها على ما يأتي بيانها فقد رآني حقيقة، أي: رأى حقيقتي كما هي، فلم يتحد الشرط والجزاء وهو في معنى الإخبار، أي: من رآني فأخبره بأن رؤيته حق ليست بأضغاث أحلامية ولا تخيلات شيطانية .

ثم أردف ذلك بما هو تتميم للمعنى وتعليل للحكم، فقال: فإن الشيطان لا يتمثل بي فإنه -صلى الله عليه وسلم- وإن ظهر بجميع أسماء الحق وصفاته تخلقا وتحققا؛ فمقتضى رسالته للخلق أن يكون الأظهر فيه حكما وسلطنة من صفات الحق الهداية والاسم الهادي، والشيطان مظهرا لاسم المضل، والظاهر بصفة الضلالة وهما ضدان فلا يظهر أحدهما بصورة الآخر، والنبي خلق للهداية فلو ساغ ظهور إبليس بصورته زال الاعتماد عليه؛ فلذلك عصم صورته عن أن يظهر بها شيطان، فإن قيل: عظمة [ ص: 429 ] الحق تعالى أتم من عظمة كل عظيم مع أن اللعين يتراءى لكثير ويخاطبهم بأنه الحق فيضلهم، قلنا: كل عاقل يعلم أن الحق تعالى لا صورة له معينة توجب الاشتباه، بخلاف النبي، وأيضا مقتضى حكمة الحق أن يضل ويهدي من يشاء بخلاف النبي فإنه مقيد بالهداية ظاهر بصورتها، فتحجب عصمة صورته من مظهرية الشيطان .

وقال عياض : لم يختلف العلماء في جواز صحة رؤية الله تعالى في النوم وإن رئي على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجسام ليحقق أن المرئي غير ذات الله؛ إذ لا يجوز عليه التجسم ولا اختلاف الحالات بخلاف النبي، فكانت رؤية الله تعالى في النوم من باب التمثيل والتخييل .

وقال القرطبي : اختلف في الحديث، فقال قوم من القاصرين: هو على ظاهره؛ فمن رآه في النوم رآه حقيقة كما يرى في اليقظة، وهو قول يدرك فساده ببادئ العقل؛ إذ يلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه اثنان في وقت واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره، ويخاطب الناس ويخلو قبره عنه فيزار غير جثته، ويسلم على غائب لأنه لا يرى ليلا ونهارا على اتصال الأوقات، وهذه جهالات لا يثق بالتزامها من له أدنى مسكة من عقل، وملتزم ذلك مختل مجنون .

وقال قوم: من رآه بصفة فرؤياه حق أو بغيرها أضغاث أحلام، ومعلوم أنه قد يرى على حالة مخالفة، ومع ذلك تكون تلك الرؤيا حقا كما لو رئي قد ملأ بلدا أو دارا بجسمه فإنه يدل على امتلاء تلك البلد بالحق والشرع وتلك الدار بالبركة، وكثيرا ما وقع ذلك، قال: والصحيح أن رؤيته على حال كان غير باطلة ولا من الأضغاث بل حق في نفسها، وتصوير تلك الصورة وتمثيل ذلك المثال ليس من الشيطان بل مثل الله ذلك للرائي بشرى، فيتسبب للخير أو إنذاري فيتبرأ عن الشر، أو تنبيها على خير يحصل وقد ذكرنا أن المرئي في المنام أمثلة المرئيات لا أنفسها، غير أن تلك الأمثلة تارة تطابق حقيقة المرئي وتارة لا، ثم المطابقة قد تظهر في الصفة على نحو ما أدرك في النوم وقد لا، فإذا لم تظهر في اليقظة كذلك؛ فالمقصود بتلك الصورة معناها لا عينها، وكذا مخالفة المثال صورة المرئي بزيادة أو نقص أو تغير لون أو زيادة عضو أو نقصه فكله تنبيه على معاني تلك الأمور. انتهى .

قال المناوي في شرح الجامع: وحاصل كلامه أن رؤيته بصفة إدراك لذاته وبغيرها إدراك لمثاله، فالأولى لا تحتاج لتعبير والثانية تحتاجه. قال: ولسلفنا الصوفية ما يوافق معناه ذلك وإن اختلف اللفظ؛ حيث قالوا: هنا ميزان يجب التنبيه له؛ وهو أن الرؤية الصحيحة أن يرى بصورته الثابتة بالنقل الصحيح، فإن رآه بغيرها كطويل أو قصير أو شيخ أو شديد السمرة لم يكن رآه، وحصول الجزم في نفس الرائي بأنه رأى النبي غير حجة بل ذلك المرائى صورة الشرع بالنسبة لاعتقاد الرائي أو حاله أو صفته أو حكم من أحكام الإسلام، أو بالنسبة للمحل الذي رأى فيه تلك الصورة .

قال القونوي كابن عربي قد جربناه فوجدناه لم ينخرم، والله الموفق .

( وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام فرأيته لا ينظر إلي، فقلت: يا رسول الله، ما شأني؟ فالتفت إلي، وقال: ألست المقبل وأنت صائم؟ وقال: والذي نفسي بيده لا أقبل امرأة وأنا صائم أبدا ) رواه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أبو بكر الطلحي، حدثنا عبيد بن غنام، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، حدثنا عمر بن حمزة، أخبرنا سالم، عن ابن عمر، قال: قال عمر: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام فذكره، وفيه: ألست الذي تقبل وأنت صائم؟ فقلت: والذي بعثك بالحق لا أقبل وأنا صائم.

(وقال العباس) بن عبد المطلب (-رضي الله عنه- كنت ودا) أي: خليلا (لعمر) بن الخطاب (فاشتهيت أن أراه في المنام فما رأيته إلا عند رأس الحول، فرأيته يمسح العرق عن جبينه وهو يقول: هذا أوان فراغي إن كان عرشي ليهد لولا أني لقيته رءوفا رحيما) رواه أحمد في الزهد وابن سعد في الطبقات بلفظ: كان عمر بن الخطاب لي خليلا وأنه لما توفي لبثت حولا أدعو الله أن يرينيه في المنام، قال: فرأيته على رأس الحول يمسح العرق عن جبهته، قلت: يا أمير المؤمنين ما فعل بك ربك؟ قال: هذا أوان فرغت وإن كان عرشي ليهد لولا أني لقيت ربي رءوفا رحيما.

وأخرج ابن سعد، عن سالم بن عبد الله قال: سمعت رجلا من الأنصار يقول: دعوت الله أن يريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبهته، فقلت: يا أمير المؤمنين ما فعلت؟ فقال: الآن فرغت، ولولا رحمة ربي لهلكت . وأخرج أيضا عن عبد الله بن عمرو قال: ما كان شيء أعلمه أحب إلي أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصرا، فقلت: [ ص: 430 ] لمن هذا؟ قالوا: لعمر، فخرج من القصر عليه ملحفة كأنه قد اغتسل، فقلت: كيف صنعت؟ فقال: خيرا، كاد عرشي يهوي لولا أني لقيت ربا غفورا، قلت: كيف صنعت؟ قال: متى فارقتكم قلت: منذ ثنتي عشرة سنة، قال: إنما انفلت الآن من الحساب.

(وقال الحسن بن علي) بن أبي طالب -رضي الله عنه- (قال لي علي -رضي الله عنه- إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنح لي الليلة في منامي، فقلت: يا رسول الله، ما) ذا (لقيت من أمتك) اللدد والأدد (قال: ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلني بهم من هو شر لهم مني فخرج) لصلاة الصبح (فضربه ابن ملجم) تقدم عند ذكر وفاته .

وأخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل عن كثير بن الصلت قال: أغمي على عثمان في اليوم الذي قتل فيه فاستيقظ فقال: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في منامي هذا فقال: إنك شاهد معنا الجمعة، وأخرجاه أيضا عن ابن عمران : عثمان أصبح فحدث فقال: إني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- الليلة في المنام فقال: يا عثمان أفطر عندنا، فأصبح عثمان صائما فقتل من يومه، وهذا قد تقدم عند ذكر وفاته.

وأخرج ابن عساكر عن مطرف أنه رأى عثمان بن عفان في النوم فقال: رأيت عليه ثيابا خضرا فقلت: يا أمير المؤمنين كيف فعل الله بك؟ قال: فعل الله بي خيرا، قال: أي الدين خير؟ قال: الدين القيم ليس بسفك الدم (وقال بعض الشيوخ: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) في النوم (فقلت: يا رسول الله، استغفر لي؛ فأعرض عني فقلت: يا رسول الله، إن سفيان بن عيينة، حدثنا عن محمد بن المنكدر) التميمي (عن جابر بن عبد الله ) الأنصاري -رضي الله عنه- (أنك لم تسأل شيئا قط، فقلت: لا، فأقبل علي؛ فقال: غفر الله لك) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات. والحديث المذكور قد رواه مسلم، وتقدم .

(وروي عن العباس بن عبد المطلب ) -رضي الله عنه- (قال: كنت مؤاخيا لأبي لهب) عبد العزى (مصاحبا له) أي: في الجاهلية (فلما مات وأخبر الله عنه بما أخبر) وهو قوله تعالى: تبت يدا أبي لهب وتب إلى آخر السورة (حزنت عليه وهمني أمره) وفاء لحق المؤاخاة والنسب (فسألت الله حولا أن يريني إياه في المنام، قال: فرأيته يلتهب نارا، فسألته عن حاله، فقال: صرت إلى النار في العذاب لا يخفف عني ولا يروح إلا ليلة الاثنين في كل الأيام والليالي، قلت: وكيف ذلك؟ قال: ولد في تلك الليلة محمد -صلى الله عليه وسلم- فجاءتني أميمة) تصغير أمة؛ أي: جويرية (فبشرتني بولادة آمنة) بنت وهب (إياه، ففرحت به وأعتقت وليدة لي) أي: جارية (فرحا به، فأثابني الله بذلك أن رفع عني العذاب في كل ليلة اثنين) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات .

وأخرج ابن عساكر بسند فيه الكديمي، عن أبي سعيد الخدري، رفعه: بعثت ولي أربع عمومة؛ فأما العباس، فيكنى بأبي الفضل، فلولده الفضل إلى يوم القيامة، وأما حمزة فيكنى بأبي يعلى؛ فأعلى الله قدره في الدنيا والآخرة، وأما عبد العزى فيكنى بأبي لهب فأدخله إلى النار وألهبها عليه، وأما عبد مناف فيكنى بأبي طالب فله ولولده المطاولة والرفعة إلى يوم القيامة .

(وقال عبد الواحد بن زيد ) البصري التابعي -رحمه الله تعالى- (خرجت حاجا فصحبني رجل كان لا يقوم ولا يقعد ولا يتحرك ولا يسكن إلا صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فقال: أخبرك عن ذلك، خرجت أول مرة إلى مكة ومعي أبي، فلما انصرفنا في بعض المنازل، فبينما أنا نائم إذ أتاني آت، فقال لي: قم فقد أمات الله أباك وسود وجهه، قال: فقمت مذعورا فكشفت الثوب عن وجهه فدخلني من ذلك رعب، فبينما أنا في ذلك الغم إذ غلبتني عيني فنمت، فإذا على رأس أبي أربعة سودان معهم أعمدة حديد؛ إذ أقبل رجل حسن الوجه بين ثوبين أخضرين، فقال لهم: تنحوا، فمسح على وجهه بيده، ثم أتاني، فقال: قم، فقد بيض الله وجه أبيك، فقلت له: من أنت [ ص: 431 ] بأبي أنت وأمي، فقال: أنا محمد، قال: فقمت فكشفت الثوب عن وجه أبي، فإذا هو أبيض فما تركت الصلاة بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات، وأورده الحافظ السخاوي في القول البديع .

(وعن عمر بن عبد العزيز ) رحمه الله (قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- جالسان عنده فسلمت وجلست، فبينما أنا جالس إذ أتي بعلي ومعاوية فأدخلا بيتا وأجيف عليهما الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع أن خرج علي -رضي الله عنه- وهو يقول: قضى لي ورب الكعبة) ، وما كان بأسرع أن خرج معاوية على أثره .

حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا إبراهيم بن بكر البصري، حدثنا يسار خادم عمر، قال: دخلت على عمر، فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه سلم- في المنام وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، ورأيت عثمان وهو يقول: خصمت عليا ورب الكعبة، وعلي يقول: غفر لي ورب الكعبة.

وأخرج من طريق أبي هاشم الرماني أن رجلا جاء إلى عمر فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام وبنو هاشم يشكون إليه الحاجة، فقال لهم: فأين عمر بن عبد العزيز .

وأخرج من طريق أبي المليح عن خصاف أخي خصيف، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام عن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر وميمون بن مهران جالس أمام ذلك، فأتيت ميمون بن مهران، فقلت: من هذا؟ قال: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: من هذا؟ قال: هذا أبو بكر عن يمينه وهذا عمر عن يساره، فجاء عمر بن عبد العزيز ليجلس بين أبي بكر وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- فشح أبو بكر بمكانه، ثم جاء ليجلس بين عمر وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- فشح عمر بمكانه، فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه في حجره.

ومن طريق أبي هاشم الرماني قال: جاء رجل إلى عمر، فقلت: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله، فذكر نحوه. ومن طريق عراك بن حجرة عن عمر قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فقال: ادن يا عمر، فدنوت حتى كدت أصافحه قال: فإذا كهلان قد اكتنفاه، فقال: إذا وليت من أمر أمتي فاعمل في ولايتك نحو ما عمل هذان في ولايتهما، قلت: من هذان؟ قال: هذا أبو بكر وهذا عمر، وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: رأيت كأني أدخلت الجنة، فإذا قباب مضروبة، قلت: لمن هذا؟ قالوا لذي الكلاع وحوشب، وكانا ممن قتل مع معاوية، قلت: فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قلت: وقد قتل بعضهم بعضا، قيل: إنهم لقوا الله فوجدوه واسع المغفرة، قلت: فما فعل أهل النهر؟ يعني الخوارج، قال: لقوا برحا.

(واستيقظ ابن عباس -رضي الله عنه- مرة من نومه فاسترجع وقال: قتل الحسين والله، وكان ذلك قبل قتله، فأنكره أصحابه فقال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه زجاجة من دم فقال: أتعلم ما صنعت أمتي بعدي؟ قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلى الله. فجاء الخبر بعد أربعة وعشرين يوما بقتله في اليوم الذي رآه) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات .

وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل، عن سلمى، قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام يبكي وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا.

(ورئي) أبو بكر (الصديق رضي الله عنه) في النوم (فقيل له: إنك كنت تقول أبدا في لسانك: هذا أوردني الموارد، فماذا فعل الله بك، قال: قلت به لا إله إلا الله فأوردني الجنة) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات ، وأما قوله هذا أوردني الموارد فرواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد قال: حدثني مصعب الزبيري، حدثني مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر دخل على أبي بكر يجبذ لسانه، فقال عمر : مه غفر الله لك، فقال أبو بكر : هذا أوردني الموارد.



(فصل)

قال أبو محمد بن عمر العكبري في فوائده، حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري، حدثنا إسماعيل بن بهرام العكبري، حدثنا الأشجعي عن شيخ عن ابن سيرين، قال: ما حدثك الميت بشيء في النوم فهو حق؛ لأنه في دار الحق.

وأخرج أبو الشيخ في كتاب الوصايا والحاكم في المستدرك والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن عطاء الخراساني، قال: حدثني ابنه ثابت بن قيس بن شماس أن ثابتا قتل يوم اليمامة وعليه درع نفيسة؛ فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينا رجل من المسلمين نائم إذا أتاه ثابت في منامه، فقال: أوصيك بوصية، فإياك أن تقول: هذا حلم [ ص: 432 ] فتضيعه أني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة وفوق البرمة رحل، فأت خالد بن الوليد فمره أن يبعث إلي درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني: أبا بكر الصديق، فقل له: إن علي من الدين كذا وفلان من رقيقي عتيق وفلان، فأتى الرجل خالدا فأخبره فبعث إلى الدرع فأتي بها، وحدثت أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته، وقال: لا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس.

وقال محمود بن محمد بن الفضل في كتاب المتفجعين: حدثنا هشام ابن القاسم الحراني، حدثنا بشر بن بكير التنيسي، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بن عطاء الخراساني، قال: أتيت المدينة فلقيت بها رجلا قلت: حدثني بحديث ثابت بن قيس بن الشماس، يرحمك الله، فقال: قم معي، فانطلقت معه حتى انتهينا إلى باب دار، فدخل فلبث لبثته، ثم خرج إلي فأدخلني، فإذا بامرأة جالسة، فقال: هذه ابنة ثابت بن قيس فاسألها عما بدا لك، قلت: حدثيني عن أبيك، رحمه الله تعالى، قالت: لما أنزل الله -عز وجل- يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية، أغلق عليه بابه وطفق يبكي: فساق الحديث، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لست منهم ولكن تعيش حميدا وتقتل شهيدا ويدخلك الله الجنة بسلام، فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، وفيه: وكانت على ثابت درع نفيسة، وفيه: فرأى رجل من الصحابة في منامه أتاه ثابت، فساقه إلى آخره نحو السياق الأول، وفيه: قالت: ولا نرى أحدا من المسلمين أجيزت وصيته بعد موته إلا وصية ثابت بن قيس.

وأخرج الحاكم في المستدرك عن حسين بن خارجة، قال: لما جاءت الفتنة الأولى أشكلت علي، فقلت: اللهم أرني من الحق أمرا أمسك به فأريت فيما يرى النائم الدنيا والآخرة وكان بينهما حائط غير طويل وإذا أنا تحته فقلت: لو تسلقت هذا الحائط حتى أنظر إلى قتلى أشجع فيخبروني قال: فانهبطت بأرض ذات شجر فإذا بنفر جلوس، فقلت: أنتم الشهداء؟ قالوا: نحن الملائكة، قلت: فأين الشهداء؟ قالوا: تقدم إلى الدرجات. فارتفعت درجة، الله أعلم من الحسن والسعة، فإذا أنا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وإذا إبراهيم شيخ، وإذا هو يقول لإبراهيم: استغفر لأمتي، وإبراهيم يقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، أهراقوا دماءهم، وقتلوا إمامهم، فهلا فعلوا كما فعل سعد خليلي، فقلت: والله لقد رأيت رؤيا لعل الله أن ينفعني بها، اذهب فانظر مكان سعد فأكون معه، فأتيت سعدا فقصصت عليه القصة فما أكثر بها فرحا، وقال: قد خاب من يكن إبراهيم خليله، قلت: مع أي الطائفتين أنت؟ قال: أنا مع واحد منهما، فقلت: فما تأمرني؟ قال: ألك غنم؟ قلت: لا، قال: فاشتر شيئا فكن فيها حتى تنجلي، وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات وابن سعد في الطبقات، عن محمد بن زياد الألهاني أن غضيف بن الحارث قال لعبد الله بن عائد الصحابي حين حضرته الوفاة: إن استطعت أن تلقانا فتخبرنا ما لقيت بعد الموت، فلقيه في منامه بعد حين، فقال له: ألا تخبرنا؟ قال: نجونا ولم نكد أن ننجو، نجونا بعد المشيبات فوجدنا ربنا خير رب، غفر الذنب وتجاوز عن السيئة إلا ما كان من الأحراض، قلت: له وما الأحراض؟ قال: الذين يشار إليهم بالأصابع في الشر.

وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي الزاهرية، قال: عاد عبد الأعلى عدي بن أبي بلال الخزاعي، فقال له عبد الأعلى: أقرئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مني السلام وإن استطعت أن تلقانا فتعلمني بذلك، وكانت أم عبد الله أخت أبي الزاهرية تحت ابن أبي بلال فرأته في منامها بعد وفاته بثلاثة أيام فقال: إن ابنتي بعد ثلاث لاحقتي فهل تعرفين عبد الأعلى؟ قالت: لا. قال: فاسألي عنه، ثم أخبريه أني قد أقرأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه السلام فرد عليه، فأخبرت أخاها أبا الزاهرية بذلك فبلغه.




الخدمات العلمية