الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وهذه حالة هائلة تطيش فيها عقول الخلائق وروى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسه في حجر عائشة رضي الله عنها فنعس فذكرت الآخرة ، فبكت حتى سال دمعها فنقط على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه ، فقال : ما يبكيك يا عائشة ؟ قالت : ذكرت الآخرة هل تذكرون أهليكم يوم القيامة ؟ قال : والذي نفسي بيده في ثلاث مواطن ؛ فإن أحدا لا يذكر إلا نفسه : إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل .

، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ كتابه أو شماله ، وعند الصراط
وعن أنس : يؤتى بابن آدم يوم القيامة حتى يوقف بين كفتي الميزان ويوكل به ملك ، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق : سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، وإن خف ميزانه نادى بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا .

وعند خفة كفة الحسنات تقبل الزبانية وبأيديهم مقامع من حديد عليهم ثياب من نار فيأخذون نصيب النار إلى النار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في يوم القيامة إنه يوم ينادي الله تعالى فيه آدم عليه السلام فيقول له : قم يا آدم فابعث بعث النار فيقول وكم بعث النار ، فيقول : ؟ : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ، فلما سمع الصحابة ذلك أبلسوا حتى ما أوضحوا بضاحكة ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عند أصحابه قال : اعملوا وأبشروا فوالذي ؛ نفس محمد بيده ، إن معكم لخليقتين ما كانتا مع أحد قط إلا كثرتاه مع من هلك من بني آدم وبني إبليس ، قالوا : وما هما يا رسول الله ؟ قال : يأجوج ومأجوج ، قال : فسرى عن القوم ، فقال : اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس يوم القيامة إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة .

التالي السابق


(وهذه حالة هائلة تطيش فيها عقول الخلائق) فإن قلت: إن شأن الميزان أن يوضع في كفته شيء وفي الأخرى ضده؛ فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة، والذي يقابل شهادة التوحيد الكفر، ويستحيل أن يأتي عبد واحد بالكفر والإيمان معا حتى يوضع الإيمان في كفة والكفر في أخرى، أجاب الحكيم في النوادر بأنه ليس المراد وضع شهادة التوحيد في كفة الميزان، وإنما المراد وضع الحسنة المرتبة على النطاق بهذه الكلمة مع سائر الحسنات. اهـ .

وروى النقاش في تفسيره عن علي -رضي الله عنه- قال: يحشر الناس إلى الميزان فيقومون عنده ألف عام، فمن رجح ميزانه بحسناته فاز ونجا في طرفة عين، ومن خف ميزانه من حسناته وثقلت سيئاته حبس عند الميزان ألف عام في الغم والهم والحزن والعذاب والجوع والعطش، وإسناده مظلم .

(وروى الحسن البصري) -رحمه الله- ( أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان رأسه في حجر عائشة -رضي الله عنها- فنعس فذكرت الآخرة، فبكت حتى سال دمعها فنقط على خد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانتبه، فقال: ما يبكيك يا عائشة؟ قالت: ذكرت الآخرة هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: والذي نفسي بيده في ثلاث مواطن؛ فإن أحدا لا يذكر إلا نفسه: إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أتخف ميزانه أم تثقل، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ كتابه أو بشماله، وعند الصراط ) .

قال العراقي : رواه أبو داود من رواية الحسن عنها أنها ذكرت النار فبكت، فقال: وما يبكيك؟ دون كون رأسه -صلى الله عليه وسلم- في حجرها وأنه نعس، وإسناده جيد. انتهى .

قلت: وتمامه عند أبي داود : قالت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحد أحدا: حيث يوضع الميزان حتى يعلم أتخف ميزانه أم تثقل، وعند تطاير الكتب حتى يقال: هاؤم اقرءوا كتابيه حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم، حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثيرة يحبس الله بها من يشاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا. وهكذا رواه ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد والآجري في الشريعة والحاكم وصححه والبيهقي في البعث .

وأما سياق المصنف فرواه الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري في كتاب الزهد والرقاق من طريق عصام بن طليق، وهو واه، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجري فقطرت دموعي على خده فاستيقظ، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: ذكرت القيامة وهولها، فهل تذكرون أهاليكم يا رسول الله، فقال: يا عائشة، ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحد إلا نفسه: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل، وعند الصحف حتى يأخذ صحيفته بيمينه أو بشماله، وعند الصراط حتى يجاوزه .

وروى يعقوب بن سفيان في فوائده من طريق علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، قالت عائشة : يا رسول الله، كيف نكون يوم لا يغني عنا من الله شيئا؟ قال: نعم، في ثلاثة مواطن . وذكر الحديث بمعنى الذي قبله، وإسناده واه .

وقال: الإمام أحمد، حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال: يا عائشة، أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى تثقل أو تخف فلا، وأما عند تطاير الكتب فإما أن يعطى بيمينه أو يعطى بشماله فلا، ثم حين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم ويتغلظ عليهم ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة، وكلت بثلاثة، وكلت بثلاثة، وكلت بمن دعا مع الله إلها آخر، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووكلت بكل جبار عنيد، قال: فينطوي عليهم ويرمي بهم في غمرات جهنم . إسناده ثقات سوى ابن لهيعة .

وروى عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون قال: قال للنبي - صلى الله عليه وسلم- بعض أهله: هل يذكر الناس أهليهم يوم القيامة؟ قال: أما في ثلاثة مواطن فلا، عند الميزان، وعند تطاير الصحف في الأيدي، وعند الصراط .

(وعن أنس ) -رضي الله عنه- (قال: يؤتى بابن آدم يوم القيامة حتى يوقف بين كفتي الميزان ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإن خفت ميزانه نادى بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا [ ص: 474 ] وعند خفة كفة الحسنات تقبل الزبانية وبأيديهم مقامع من حديد عليهم ثياب من نار فيأخذون نصيب النار إلى النار) هكذا ذكره موقوفا على أنس .

وقد رواه البزار في مسنده مرفوعا، فقال: حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا داود بن المحبر، حدثنا صالح المري، عن ثابت وجعفر بن يزيد ومنصور بن زاذان عن أنس رفعه: إن ملكا موكلا بالميزان فيؤتى بابن آدم فيوقف بين كفتي الميزان، فإن رجح نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإن خف نادى الملك: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا، قال البزار : لا نعلمه، رواه عن ثابت عن أنس إلا صالح المري، ولا عن جعفر أيضا إلا صالح .

وأخرجه أبو نعيم في الحلية وقال: تفرد به داود بن المحبر، وكذلك رواه ابن مردويه واللالكائي في كتاب السنة والبيهقي في البعث، وقال أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده في فوائده، أخبرني عماي أبو القاسم وأبو الحسن قالا: أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه كتابة، حدثنا أبو محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الوهاب البغوي، حدثنا أبو بكر إبراهيم بن محمد بن إسحاق البصري، حدثتنا حكامة بنت عثمان بن دينار قالت: حدثني أبي عثمان بن دينار عن أخيه مالك بن دينار عن أنس -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا وضع العبد في الميزان فرجحت حسناته على سيئاته نادى مناد: ألا سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإن رجحت سيئاته على حسناته نادى مناد: ألا شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا .

وروى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن عبد الله بن العيزار، قال: عند الميزان ملك ينادي: فلان بن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لم يشق بعدها أبدا، ألا إن فلان بن فلان خفت موازينه وشقي شقاوة لم يسعد بعدها أبدا.

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال، حدثنا محمد بن العباس بن محمد، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي، حدثنا أبو الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان : لكني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة نتنة، ثم يؤتى بالميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم .

قال أبو الأحوص : تدري من أي شيء نجا؟ إذا ثقل ميزان عبد نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون: ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإذا خف ميزانه نودي على رءوس الخلائق: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاء لا يسعد بعده أبدا.

(قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: في يوم القيامة أنه يوم ينادي الله تعالى فيه آدم -عليه السلام- فيقول: قم يا آدم فابعث بعث النار، فيقول: وكم بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فلما سمع الصحابة ذلك أبلسوا حتى ما أوضحوا بضاحكة، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي عند أصحابه قال: اعملوا وأبشروا؛ فوالذي نفس محمد بيده، إن معكم لخليقتين ما كانتا مع أحد قط إلا كثرتاه مع من هلك من بني آدم وبني إبليس، قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: يأجوج ومأجوج، قال: فسرى عن القوم، فقال: اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس يوم القيامة إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة ) .

قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي سعيد، ورواه البخاري من حديث أبي هريرة نحوه، وقد تقدم. اهـ .

قلت: لفظ المتفق عليه: يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: أبشروا، فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف، والذي نفسي بيده، أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود أو كالرقمة في ذراع الحمار .

رواه كذلك أحمد وعبد بن حميد، وروى الطبراني في الكبير من حديث أبي الدرداء : يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم، قم فجهز من ذريتك تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة، فبكا أصحابه وبكوا، فقال: ارفعوا رءوسكم؛ فوالذي نفسي بيده ما أمتي في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود .

ورواه أحمد بلفظ: إن الله تعالى يقول يوم القيامة لآدم: قم فجهز.. الحديث، وفي المتفق عليه من حديث ابن مسعود : والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة؛ وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو [ ص: 475 ] كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر .




الخدمات العلمية