الباب الثاني فيما اطلع عليه من أحوال البرزخ والجنة والنار صلى الله عليه وسلم
روى ابن ماجه عن الحسين بن علي رضي الله عنه قال : لما توفي القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت خديجة رضي الله عنها : وددت لو كان الله أبقاه حتى يستكمل رضاعه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن تمام رضاعه في الجنة» ، قالت : لو أعلم ذلك يا رسول الله يهون علي أمره قال : «إن شئت دعوت الله عز وجل يسمعك صوته» ، قالت : بل أصدق الله ورسوله .
وروى مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط بني النجار على بغلة له ونحن معه إذ جادت به فكادت تلقيه ، وإذا بقبر ستة أو خمسة ، فقال : «من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ » فقال رجل : أنا ، فقال : قوم هلكوا في الجاهلية فقال : «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر» .
وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : «إنهما ليعذبان ، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس» .
وروى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت : كسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : «ما من شيء لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار» .
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت قال : «إني رأيت الجنة ، فتناولت عنقودا ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثرها النساء» .
وروى الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة ، فمد يده ثم أخرها فسألناه ، فقال : «إنه عرضت علي الجنة ، فرأيت قطوفها دانية ، فأردت أن أتناول منها شيئا ، وعرضت علي النار فيما بينكم وبيني كظلي وظلكم فيها» . [ ص: 12 ]
وروى الحاكم عنه ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يمشيان فقال : «يا بلال ، هل تسمع ما أسمع ؟ » قال : لا والله يا رسول الله ، ما أسمع شيئا ، قال : «ألا تسمع أهل القبور يعذبون ؟ » ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح بلفظ قال : صاحب القبر يعذب ، فسئل عنه ، فوجده يهوديا .
وروى ابن خزيمة في كتاب السنة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقد فوقف على قبرين ثريين ، قال : «أدفنتم ها هنا فلانا وفلانة ؟ » أو قال : «فلانا وفلانا ؟ » قالوا : نعم ، قال : قد أقعد فلان الآن يضرب» ، ثم قال : «والذي نفسي بيده ، لقد ضرب ضربة سمعها الخلائق إلا الثقلين ولولا تمريج قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع» ، ثم قال : «الآن يضرب هذا» ، ثم قال : «والذي نفسي بيده ، لقد ضرب ضربة ما بقي منه عظم إلا انقطع» ، وقال : «تطاير قبره نارا» ، قالوا : يا رسول الله ، وما ذنبهما ؟ قال : «أما هذا فإنه كان لا يستبرئ من البول ، وأما هذا فكان يأكل لحوم الناس» .
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين ، فقال : «إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار» .
وروى الإمام أحمد بإسناد جيد عن عبد الله بن عمر والطبراني برجال ثقات عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الضعفاء والفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» وفي رواية عمران : «النساء» ، وفي رواية ابن عمرو : «الأغنياء» .
وروى الطبراني بإسناد جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطال القيام وكان إذا صلى لنا خفف فرأيته أهوى بيده ليتناول شيئا ثم ركع بعد ذلك ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «علمت أنه راعكم طول صلاتي وقيامي» ، قلنا : أجل ، يا رسول الله ، وسمعناك تقول : «أي رب ، وأنا فيهم ؟ » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«والذي نفسي بيده ، ما من شيء وعدتموه في الآخرة إلا قد عرض علي في مقامي هذا حتى عرضت علي النار ، فأقبل منها حتى حاذى خبائي هذا فخشيت أن تغشاكم فقلت : أي رب ، وأنا فيهم ؟ فصرفها الله تعالى عنكم فأدبرت قطعا كأنها الزرابي فنظرت نظرة ، فرأيت عمران بن حرثان بن الحارث أحد بني غفار متكئا في جهنم على قوسه ، ورأيت فيها الحميرية صاحبة [ ص: 13 ] القطة التي ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها» .
قال أحمد بن صالح : الصواب حرمان .
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيت جهنم يحطم بعضها على بعض ورأيت عمرا بن عامر الخزاعي يجر قصبه وهو أول من سيب السوائب» .
وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله وأبي بن كعب رضي الله عنهما قالا : بينما نحن صفوفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر إذ رأيناه يتناول شيئا بين يديه في الصلاة ليأخذه ثم يتناوله ليأخذه ثم حيل بينه وبينه ، ثم تأخر وتأخرنا ثم تأخر الثانية وتأخرنا فلما سلم ، قال أبي بن كعب : يا رسول الله ، رأيناك اليوم تصنع في صلاتك شيئا لم تكن تصنعه ، قال : «إني عرضت لي الجنة بما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت قطفا منها لآتيكم به ولو أخذته لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه فحيل بيني وبينه ، ثم عرضت علي النار فلما وجدت حر شعاعها ، تأخرت ، وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي إن ائتمن أفشين وإن سئلن أخفين وإن أعطين لم يشكرن ، ورأيت فيها لحي بن عمرو يجر قصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكتم» قال معبد : أي رسول الله يخشى علي من شبهه فإنه والد ، قال : «لا ، أنت مؤمن وهو كافر ، وهو أول من جمع العرب على عبادة الأصنام» .
ورواه أيضا عن أبي بن كعب رضي الله عنهما . [ ص: 14 ]


