الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى ، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ، أو لأعفرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار ، وهولا ، وأجنحة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» ، فأنزل الله تعالى : كلا إن الإنسان ليطغى إلى آخر السورة ، ورواه البخاري من حديث ابن عباس مختصرا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار والطبراني والحاكم وصححه عن العباس قال : كنت يوما جالسا في المسجد ، فأقبل أبو جهل ، فقال : إن لله علي إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته ، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه ، فأخبرته بقول أبي جهل ، فخرج غضبانا حتى أتى المسجد فعجل قبل أن يدخل من الباب ، فاقتحم الحائط ، فقلت : هذا يوم شر فاتزرت واتبعته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال أبو جهل : يا معشر قريش ، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وسب آلهتنا ، وإني لأعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ، فإذا سجد في صلاته فضحت به رأسه ، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم ، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينظرون ، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه ثم رجع ، منتقعا [ ص: 256 ]

                                                                                                                                                                                                                              لونه ، قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده ، فأتى قريشا ، فقالوا له : ما لك ؟ قال : لما قمت إليه عرض لي فحل من الإبل ، فوالله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، فهم أن يأكلني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك جبريل ، لو دنا مني لأخذه»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فقال : ألم أنهك أن تصلي يا محمد ، لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني ، فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال جبريل : فليدع ناديه سندع الزبانية ، فو الله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية