جماع أبواب خصائصه صلى الله عليه وسلم في فوائد تتعلق بكلام عن الخصائص
الباب الأول فيما اختص به عن الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام في ذاته في الدنيا
الأولى .
خص صلى الله عليه وسلم بأنه أول الأنبياء خلقا .
روى الحسن بن سفيان وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [الأحزاب 7] الآية قال : «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» فبدئ به قبلهم .
وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» .
الثانية .
وتقدم نبوته صلى الله عليه وسلم وكان نبيا وآدم مجندل في طينته .
روى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله ، متى جعلت نبيا ؟ قال : «وآدم مجندل في الطين» .
وروى ابن سعد عن مطرف بن الشخير رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا ؟ قال : «بين الروح والطين من آدم» .
وروى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رجل : يا رسول الله ، متى أخذ ميثاقك ؟ قال : «وآدم بين الروح والجسد» .
الثالثة .
وبأنه أول من قال بلى ، يوم ألست بربكم .
وروى الحافظ أبو سهل القطان في «جزء من أماليه» عن سهل بن صالح الهمداني قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي [كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم الأنبياء ، وهو آخر من بعث ؟
قال : إن الله تعالى لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم أول من قال : «بلى» ، ولذلك صار يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث] . [ ص: 275 ]
الرابعة .
وبخلق آدم عليه الصلاة والسلام وجميع المخلوقات لأجله عليه السلام .
الخامسة .
وبكتابة اسمه الشريف على العرش ، وكل سماء الجنان ، وما فيها ، وسائر ما في الملكوت .
السادسة .
وبذكر الملائكة له في كل ساعتها .
روى ابن عساكر عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال : إن الله تعالى أنزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء والرسل ، ثم أقبل على ابنه شيت ، فقال : يا بني ، أنت خليفتي من بعدي ، فخذها بعمارة التقوى ، والعروة الوثقى ، وكلما ذكرت الله عز وجل فاذكر إلى جنبه اسم محمد ، فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش ، وأنا بين الروح والطين ، ثم طفت في السماوات ، فلم أر موضعا في السماوات إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه ، وإن ربي أسكنني الجنة ، فلم أر في الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه ، ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين ، وعلى ورق قصب أجام الجنة ، وعلى ورق شجرة طوبى ، وعلى ورق سدرة المنتهى ، وعلى أطراف الحجب ، وبين أعين الملائكة ، فأكثر من ذكره ، فإن الملائكة تذكره في كل ساعتها ، وقد بسطت الكلام على هذه المسائل في أوائل الكتاب فراجعه ، فإن فيه نفائس .
السابعة .
وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في عهد آدم عليه الصلاة والسلام .
روى أبو نعيم وابن عساكر بسند لم أر فيه من أتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما نزل آدم صلى الله عليه وسلم بالهند استوحش ، فنزل جبريل ، فنادى : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، إلى آخره .
الثامنة :
وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في الملكوت الأعلى وفي عهد آدم .
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها : البراق ، فأراد أن يركبها فاستصعبت عليه ، فقال لها جبريل : اسكني ، فو الله ، ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد ، فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي [ ص: 276 ]
الرحمن ، فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، لا إله إلا أنا ، قال الملك : أشهد أن محمدا رسول الله ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أرسلت محمدا ، فقال الملك : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، ثم قال الملك : الله أكبر ، الله أكبر ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر ، ثم قال الملك : لا إله إلا الله ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، لا إله إلا أنا ، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه ، فأما أهل السماوات فيهم آدم ونوح ، فيومئذ أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السماوات والأرض .
رواه البزار بسند جيد ، وأبو الشيخ وابن شاهين ، ورواه عن عائشة ، ورواه ابن شاهين عن محمد بن الحنفية ، ورواه الطبراني وابن شاهين عن ابن عمر ، وأسانيدها كلها تالفة كما بينت ذلك في بيان إتحاف البيت ببيان ما وضع في معراج البيت ، قلت : في سنده زياد بن المنذر أبو الجارود ، قال ابن معين : كذاب عدو الله .
وقال الذهبي وابن كثير : هذا من وضعه ، وأورده القاضي في الشفاء ، والسهيلي في الروض ، والنووي في شرح مسلم ساكتين عليه وما في الحديث من ذكر الحجاب فهو في حق المخلوق ، لا في حق الخالق ، فهم المحجوبون والبارئ جل اسمه تنزه عما يحجبه من الحجب إنما يحيط بقدر محسوس ، ولكن حجبه عن أنصار خلقه ، وبصائرهم وإدراكاتهم ما يشاء وكيف يشاء ، لقوله تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [المطففين 15] ، فقوله في هذا الحديث : الحجاب وخروج ملك من الحجاب ، يجب أن يقال : حجاب حجب به من وراءه من ملائكته عن الاطلاع على ما دونه من سلطانه وعظمته ، وحجاب ملكوته وجبروته ، ويدل عليه من الحديث قول جبريل عليه السلام من الملك خرج من ورائه ، إن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه ، فدل أن هذا الحجاب لم يختص بالذات ، ويدل عليه قول كعب رضي الله عنه في تفسير سدرة المنتهى إليها ينتهي علم الملائكة ، وعندها يجدون أمر الله تبارك وتعالى لا يجاوزها علمهم ، وأما قوله : «الذي يلي الرحمن» ، فيعمل على حذف مضاف ، أي يلي عرش الرحمن أو أمرا ما من عظيم آياته أو مبادئ حقائق معارفه ، وكما هو أعلم به كما قال تعالى : واسأل القرية [يوسف 82] أي أهلها ، فقوله : «قيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، وأنا أكبر» ظاهره سمع في هذا الموطن كلام الله تعالى ولكن من وراء حجاب؛ أي وهو لا يراه حجب بصره عن رؤيته ، فإن صح القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، فيحمل في هذا الموطن بعد هذا وقبله رفع الحجاب عن بصره حتى رآه ، قلت : وفي هذا المعنى أحاديث بينت محالها في باب بدء الأذان؛ فراجعه . [ ص: 277 ]
التاسعة ، والعاشرة ، والحادية عشرة ، والثانية عشرة ، والثالثة عشرة .
بأخذ الميثاق على النبيين وآدم فمن بعده أن يؤمنوا به وينصروه ، والتبشير به في الكتب السابقة ، وتقدم ذلك كله في أول الباب .
الرابعة عشرة .
في نعت أصحابه في الكتب السابقة .
قال تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون [الأنبياء 105] .
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور ، وسابق علمه ، قبل أن تكون السموات والأرض ، أن يورث أمةمحمد الأرض .
وروى الطيالسي والمدني برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلبه صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ . قال الله سبحانه وتعالى : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه [الفتح 29] الآية .
وروى ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله صاحب موسى ، أخيه المصدق لما جاء به موسى ، ألا إن الله تعالى قد قال لكم : يا معشر أهل التوراة ، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا إلى آخر السورة .
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما : ذلك مثلهم في التوراة ، يعني : نعتهم مكتوب في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل قبل أن يخلق الله السماوات والأرض .
وروى أبو عبيد وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية عن عمار مولى بني هاشم قال : سألت أبا هريرة رضي الله عنه عن القدر ، فقال : اكتف منه بآخر سورة الفتح : محمد رسول الله والذين معه إلى آخرها يعني أن الله سبحانه وتعالى نعتهم قبل أن يخلقهم . [ ص: 278 ]
وروى الطبراني في الأوسط والصغير ، وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل : سيماهم في وجوههم من أثر السجود [الفتح 29] قال : «النور يوم القيامة» .
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه في الآية قال : أما إنه ليس الذي ترون ، ولكن سيما الإسلام وسحنته وسمته وخشوعه .
ورواه البيهقي عنه بلفظ : السمت الحسن .
وروى البخاري في تاريخه ومحمد بن نصر عنه قال في الآية : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة .
وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد ، ومحمد بن نصر ، عن مجاهد ، قال : ليس له أثر في الوجه ، ولكن الخشوع والتواضع .
وروى ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله : رحماء بينهم قال : جعل الله الرحمة في قلوبهم بعضهم لبعض ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، قال : علامتهم الصلاة ، ذلك مثلهم في التوراة ، قال : هذا المثل في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، قال : هذا مثل آخر كزرع أخرج شطأه قال : هذا نعت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل قبل أن يخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
وروى ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : سيماهم في وجوههم [الفتح 29] قال : صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة . ذلك مثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه [الفتح 29] قال : سنبله حين يبلغ نباته عن حباته فآزره يقول : نباته مع التفافه حين يسنبل ، فهذا مثل ضربه لأهل الكتاب ، إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع ، فيهم رجال يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ثم يغلظ فيهم الذين كانوا معه ، وهو مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه وسلم يقول : يبعث الله النبي وحده ، ثم يجتمع إليه ناس قليل يؤمنون به ، ثم يكون القليل كثيرا ويغلظون ، ويغيظ الله تعالى بهم الكفار يعجب الزراع من كثرته وحسن نباته .


