تنبيهان : الأول : قال ابن فارس  في فقه اللغة : الشعر كلام موزون مقفى ، دال على معنى ، ويكون أكثر من بيت ، وإنما قلنا هذا ، لأنه جائز اتفاقا سطر واحد ، بوزن يشبه وزن الشعر من غير قصد ، فقد قيل إن بعض الناس كتب في عنوان الكتاب : للأمير المسيب بن زهير بن عقال بن شيبة بن عقال ،  فاستوى هذا في الوزن الذي هو الخفيف ، ولعل الكاتب لم يقصد به شعرا . 
الثاني : فإن قيل : ما الحكمة في تنزيه الله تعالى نبيه عن الشعر ؟  فالجواب : أو ما في ذلك حكم الله بأن الشعراء يتبعهم الغاوون . وأنهم في كل واد يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون فلم يكن ينبغي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشعر بحال ، لأن للشعر شرائط لا يسمى الإنسان بغيرها شاعرا ، وذلك لو أن إنسانا عمل كلاما مستقيما موزونا ، يتحرى فيه الصدق من غير أن يفرط أو يتعدى ، أو يمني أو يأتي منه بأشياء لا يمكن كونها منه لما سماه الناس شاعرا ، ولكان ما يقوله محمولا ساقطا . 
وقال قال بعض العقلاء ، وسئل عن الشعر فقال : إن هزل أضحك ، وإن جد كذب ، والشاعر بين كذب وإضحاك ، وإذا كان كذلك فقد نزه الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن هاتين الخصلتين ، وبعد فإنا لا نكاد نرى شاعرا إلا مادحا غارقا أو هاجئا جبانا أقرع . وهذه أوصاف لا تصلح لنبي ، فإن قال قائل : فقد يكون من الشعر الحكمة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :  "إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة" 
قيل له : إنما نزهه الله تعالى عن قليل الشعر وكثيره لما ذكرناه ، فأما الحكمة فقد آتاه الله تعالى من ذلك القسم الأجزل ، والنصيب الأوفر ، في الكتاب والسنة ، ومعنى آخر في تنزيهه عن قول الشعر : إن أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع ، إلا أن صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنظم ، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة ، فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع ، والإيقاع ضرب من الملاهي ، لم يصلح ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد قال -صلى الله عليه وسلم- :  "ما أنا من دد .  [ ص: 416 ] 
ولا دد مني"  . رواه  البخاري  في الأدب عن  أنس بن مالك-  رضي الله تعالى عنه- بلفظ :  "لست من دد ولا الدد مني" يعني : لست من الباطل ولا الباطل مني . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					