العاشر : في الكلام على الأقصى .  
البرهان النسفي  رحمه الله : «اتفقوا على أن المراد به مسجد بيت المقدس  ، وسمي بالأقصى  لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام  » . 
 الزمخشري  رحمه الله : «سمي الأقصى لأنه لم يكن وراءه مسجد» . 
الكفيل : فثبت له هذا النعت وإن كان وراءه بعد مساجد هي أقصى منه ، لأن العلمية إذا أثبتت لسبب لم يضر زوال السبب» . 
 ابن دحية  رحمه الله : «وهو معدن الأنبياء من لدن الخليل صلى الله عليه وسلم  ، ولذا جمعوا له هناك كلهم ، وأنهم في محلتهم ودارهم ، ليدل ذلك على أنه الرئيس المقدم ، والإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم» . 
أبو شامة   : «هو بيت المقدس  الذي عمره نبي الله سليمان  صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل ، وما زال مكرما محترما ، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال شرعا إلا إليها ، أي لا تقصد بالزيارة والتعظيم من جهة أمر الشارع إلا هذه الثلاثة . وكان أبعد مسجد عن أهل مكة  أو من النبي صلى الله عليه وسلم ، والأقصى  أفعل من القصي والقاصي هو البعيد» . 
 ابن أبي جمرة   -بفتح الجيم وبالراء- رحمه الله : «والحكمة في إسرائه صلى الله عليه وسلم أولا إلى بيت المقدس   ، لإظهار الحق على من عاند ، لأنه لو عرج به من مكة  إلى السماء ، لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان والإيضاح . فلما ذكر أنه أسري به إلى بيت المقدس  سألوه عن أشياء من بيت المقدس  كانوا رأوها وعلموا إنه لم يكن رآها قبل ذلك . فلما أخبرهم بها  [ ص: 18 ] حصل التحقق بصدقه فيما ذكر من الإسراء به إلى بيت المقدس  في ليلة . وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكر» . انتهى . 
وقيل : ليحصل له العروج مستويا من غير تعويج لما روي عن كعب  أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل باب بيت المقدس  ، قال : وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا . 
الحافظ :  «وفيه نظر . وقيل ليجمع بين القبلتين ، لأن بيت المقدس  كان هجرة غالب الأنبياء فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أسباب الفضائل . وقيل لأنه محل الحشر ، فأراد الله تعالى أن تطأه قدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم ببركة أثر قدميه . وقيل أراد الله سبحانه وتعالى أن يريه القبلة التي صلى إليها مدة ، كما عرفت الكعبة  التي صلى إليها . 
وقيل لأنه مجمع أرواح الأنبياء فأراد الله تعالى أن يشرفهم بزيارته صلى الله عليه وسلم . وقيل لتفاؤل حصول التقدير له حسا ومعنى . 
 ابن دحية   : «ويحتمل أن يكون الحق سبحانه وتعالى أراد ألا يخلي تربة فاضلة من مشهده ووطء قدميه ، فتمم تقديسبيت المقدس  بصلاة سيدنا محمد  فيه . فلما تمم تقديسه به ، أخبر صلى الله عليه وسلم أنه : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام  لأنه مولده ومسقط رأسه وموضع نبوته ، ومسجد المدينة ، لأنه محل هجرته وأرض تربته ، والمسجد الأقصى  ، لأنه موضع معراجه صلى الله عليه وسلم» . 
رموز الكنوز : «فإن قيل الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة ، فهلا أخبرهم تعالى بعروجه إلى السماء؟ قلت : استدرجهم إلى الإيمان بذكر الإسراء أولا ، فلما ظهرت أمارات صدقه ، وصحت لهم براهين رسالته ، واستأنسوا بتلك الآية الخارقة ، أخبرهم بما هو أعظم منها وهو المعراج ، فحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله تعالى سورة النجم» . 
الإمام الرازي  والبرهان :  «اعلم أن كلمة «إلى» لانتهاء الغاية فمدلول قوله تعالى : إلى المسجد الأقصى  أنه وصل إلى ذلك المسجد ، ولا دلالة في اللفظ على أنه دخل» . 
قلت : قال المحققون : إذا كانت «إلى» لانتهاء الغاية ، فإن دلت قرينة على دخول ما بعدها عمل بها ، نحو : قرأت القرآن من أوله إلى آخره . فالقرينة هنا ذكر الآخر وجعله غاية . وقيل القرينة هي كون الكلام مسبوقا لحفظ القرآن كله ، وذلك مناف لخروج الغاية ، فتعين دخولها ، أو دلت القرينة على خروج ما بعدها عمل بها نحو : أتموا الصيام إلى الليل   [البقرة : 187] . والقرينة في آية الإسراء العلم لا يسرى به إلى البيت المقدس  ولا يدخله وصرحت السنة الصحيحة بما اقتضته القرينة من دخوله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس .  
				
						
						
