الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              العشرون : في الكلام على قوله تعالى : إذ يغشى السدرة ما يغشى [النجم : 16] .

                                                                                                                                                                                                                              ابن القيم : «لما ذكر سبحانه رؤية محمد صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى ، استطرد منها وذكر أن جنة المأوى عندها وأنه يغشاها من أمره وخلقه ما يغشى ، وهذا من أحسن الاستطراد ، وهو أسلوب لطيف جدا في القرآن» .

                                                                                                                                                                                                                              اللباب : «إذ» منصوب يراه .

                                                                                                                                                                                                                              الإمام : «العامل في «إذ» ما قبلها أو ما بعدها ، فيه وجهان . فإن قلنا ما قبلها ففيه احتمالان : أظهرهما رآه أي رأى وقت ما يغشى السدرة الذي يغشى . والاحتمال الثاني العامل فيه الفعل الذي في النزلة أي رآه نزلة أخرى ، تلك النزلة وقت ما يغشى السدرة ما يغشى ، أي نزوله لم يكن إلا بعد ما ظهرت العجائب عند السدرة وغشيها ما غشيها ، فحينئذ نزل محمد نزلة ، إشارة أنه لم يرجع من غير فائدة . وإن قلنا العامل فيه ما بعدها فالعامل : ما زاغ البصر ، أي ما زاغ بصره وقت غشيان السدرة ما غشيها .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما يغشى السدرة فقيل فراش أو جراد من ذهب وهو قول ابن عباس وابن مسعود والضحاك . قال القرطبي :

                                                                                                                                                                                                                              ورواه ابن مسعود وابن عباس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : «رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا يسبح الله تعالى» .

                                                                                                                                                                                                                              قلت وقول الإمام : «إن هذا ضعيف ، لأن ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي ، فإن صح فيه خبر وإلا فلا وجه له قصور شديد ، فإن الحديث في صحيح مسلم وغيره . ومثله لا يقال بالرأي .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : ملائكة يغشونها كأنهم طيور يرتقون إليها متشوقين متبركين بها زائرين كما يزور الناس الكعبة ، وقيل يغشاها أنوار الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى السدرة تجلى لها ربه تبارك وتعالى كما تجلى للجبل ، فظهرت الأنوار ، ولكن السدرة كانت أقوى من الجبل وأثبت ، فجعل الجبل دكا ، ولم تتحرك الشجرة وخر موسى صعقا ، ولم يتزلزل محمد صلى الله عليه وسلم » . [ ص: 52 ]

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ولا منافاة بين هذه الأقوال ، فقد ورد أن كلا منها يغشاها كما سيأتي ذلك في القصة . وقيل أبهمه تعظيما له كأنه قال : إذ يغشى السدرة ما الله أعلم به من دلائل ملكوته وعجائب قدرته .

                                                                                                                                                                                                                              الإمام : «يغشى يستر ، ومنه الغواشي أو من معنى الإتيان ، يقال فلان يغشانا كل وقت أي يأتينا ، الوجهان محتملان» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية