الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              التنبيه التسعون :

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي جمرة : «الحكمة في كون إبراهيم عليه السلام لم يكلم المصطفى في طلب التخفيف أن مقام الخلة إنما هو الرضى والتسليم ، والكلام في هذا الشأن ينافي ذلك المقام . وموسى هو الكليم ، والكليم أعطي الإدلال والانبساط» . وقال القرطبي :

                                                                                                                                                                                                                              «الحكمة في تخصيص موسى عليه الصلاة والسلام بمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلاة ، لعلها لكون أمة موسى كلفت من الصلوات ما لم يكلف به غيرها من الأمم فثقلت عليهم فأشفق موسى على أمة محمد- عليهما الصلاة والسلام- من مثل ذلك ويشير إلى ذلك قول موسى :

                                                                                                                                                                                                                              «إني قد جربت الناس قبلك» .

                                                                                                                                                                                                                              وقال غيره : لعلها من جهة أنه ليس في الأنبياء من له أتباع أكثر من موسى ، ولا من له كتاب أكبر ولا أجمع للأحكام من كتابه ، فكان من هذه الجهة مضاهيا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فناسب أن يتمنى أن يكون له مثل ما أنعم به عليه من غير أن يريد زواله عنه ، وناسب أن يطلعه على ما وقع له وينصحه فيما يتعلق به . ويحتمل أن موسى عليه السلام لما غلب عليه في الابتداء الأسف على نقص حظ أمته بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى تمنى ما تمنى أن يكون منهم ، استدرك ذلك ببذل النصيحة لهم والشفقة عليهم ليزيل ما عساه أن يتوهم عليه مما وقع منه في الابتداء ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              قال القرطبي : «وأما قول من قال إنه أول من لقيه بعد الهبوط فليس بصحيح ، لأن حديث مالك بن صعصعة أنه رآه في السادسة وإبراهيم في السابعة ، وهو أقوى إسنادا من حديث شريك الذي فيه أنه رأى موسى في السابعة» . قال الحافظ : «إذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في الصعود في السادسة ، وصعد موسى معه إلى السابعة فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الإشكال وبطل الرد» .

                                                                                                                                                                                                                              قال السهيلي : «وأما اعتناء موسى عليه السلام بهذه الأمة وإلحاحه على نبيها أن يشفع . [ ص: 147 ]

                                                                                                                                                                                                                              لها ويسأل التخفيف عنها فلقوله- والله أعلم- حين قضي إليه الأمر بجانب القربى ورأى صفات أمة محمد عليه السلام في الألواح وجعل يقول : إني أجد في الألواح أمة صفتهم كذا :

                                                                                                                                                                                                                              اللهم اجعلهم أمتي . فيقال له : تلك أمة محمد . قال : اللهم اجعلني من أمة محمد ، وهو حديث مشهور في التفاسير . فكان إشفاقه عليهم واعتناؤه بأمرهم يعتني بالقوم من هو منهم لقوله : اللهم اجعلني منهم» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية