الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الثالث عشر : في الكلام على قوله تعالى : فكان قاب قوسين أو أدنى [النجم : 9] .

                                                                                                                                                                                                                              اللباب : «هاهنا مضافان محذوفان نضطر لتقديرهما ، أي فكان مقدار مسافة قربه منه مقدار مسافة قاب» . [ ص: 42 ]

                                                                                                                                                                                                                              الإمام الرازي : «أي فكان بين جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين أو أقل ، فهذا على استعمال العرب وعادتهم ، فإن الأميرين منهم أو الكبيرين إذا اصطلحا وتعاقدا خرجا بقوسيهما ، جعل كل واحد منهما قوسه بطرف قوس صاحبه ، ومن دونهما من الرعية يكون كفه بكف صاحبه فيمدان باعيهما ، لذلك فسمي مبايعة . وعلى هذا ففيه مقدار قوسين أو كان جبريل سفيرا بين حضرة الله تعالى عنه ومحمد صلى الله عليه وسلم فكان كالتبع لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فصار كالمبايع الذي يمد الباع لا القوس» .

                                                                                                                                                                                                                              اللباب : القاب : القدر تقول : هذا قاب هذا ، أي قدره ومثله : القيب والقاد والقيد والقيس .

                                                                                                                                                                                                                              الجوهري : «وقال بعضهم في الآية أراد قابي قوس فقلبه . وفي الحديث الصحيح : لقاب قوس أحدكم [أو موضع قده] من الجنة خير من الدنيا وما فيها» . والقوس معروفة ، وهي ما يرمى بها وهي مؤنثة وشذوا في تصغيرها ، فقالوا قويس من غير تأنيث ، وإنما ضرب المثل بالقوس لأنها لا تختلف بالقاب وإن لم يجر لها ذكر لعدم اللبس» .

                                                                                                                                                                                                                              الواحدي : «المراد بالقوس التي يرمى بها عند الجمهور ، قال : وقيل المراد الذراع لأنها يقاس بها» .

                                                                                                                                                                                                                              القرطبي : «وقال سعيد بن جبير ، وعطاء ، وأبو إسحاق الهمداني ، وأبو وائل شقيق ابن سلمة «فكان قاب قوسين» أي قدر ذراعين ، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء ، وهي لغة بعض الحجازيين ، وقيل هي لغة أزد شنوءة أيضا» . قلت : ورواه ابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وينبغي أن يكون هذا القول هو الراجح ، فقد روى الطبراني وابن مردويه والضياء بسند صحيح عن ابن عباس قال : القاب والقيد والقوسان الذراعان .

                                                                                                                                                                                                                              اللباب : «أو» هنا كهي في قوله تعالى : أو يزيدون لأن المعنى بأحد هذين المقدارين في رأي الرائي أي لتقارب ما بينهما لا يشك الرائي في ذلك . وقال ابن القيم :

                                                                                                                                                                                                                              «أو» هنا ليست للشك بل لتحقيق قدر المسافة ، وأنها لا تزيد على قوسين البتة ، كما قال تعالى : وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون [الصافات : 147] ، تحقيقا لهذا القدر وأنهم لا ينقصون عن مائة ألف أو يزيدون رجلا واحدا ، ونظيره قوله تعالى : [ ص: 43 ] ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة [البقرة : 74] ، أي لا تنقص قسوتها عن قسوة الحجارة ، بل إن لم تزد على قسوة الحجارة لم تكن دونها . وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق من قول من جعل «أو» في هذا الموضع بمعنى بل ، ومن قول من جعلها للشك بالنسبة إلى الرائي ، وقول من جعلها بمعنى الواو فتأمله ، وجزم بذلك ابن كثير .

                                                                                                                                                                                                                              اللباب : «أدنى أفعل تفضيل ، والمفضل عليه محذوف أو أدنى من قاب قوسين ، فمعنى الآية : ثم دنا جبريل بعد استوائه في الأفق الأعلى من الأرض ، فتدلى ، فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان قاب قوسين أو أدنى بل أدنى .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية