ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة 
فمن الحوادث فيها: 
 [حملت أرسلان خاتون  زوجة الخليفة إلى السلطان  طغرلبك    ] 
أن أرسلان خاتون  زوجة الخليفة حملت إلى السلطان  طغرلبك  في يوم  البساسيري  على ما سبق ذكره ، فأريد ردها إلى دار الخليفة والسلطان يعد بذلك ولا ينجزه ، ثم خطب  طغرلبك  بنت الخليفة لنفسه بعد موت زوجته ، وكانت زوجته سديدة عاقلة ، وكان يفوض أمره إليها فأوصته قبل موتها بمثل هذا ، واتفق أن قهرمانة الخليفة لوحت للسلطان بهذا ، وقد نسب إلى عميد الدولة أيضا ، فبعث أبا سعد بن صاعد  يطلب هذا ، فثقل الأمر على الخليفة وانزعج منه ، فأخذ  ابن صاعد  يتكلم في بيت النوبة  بكلام يشبه التهدد إن لم تقع الإجابة . 
فقال الخليفة: هذا ما لم تجر العادة به ، ولم يسم أحد من الخلفاء مثله ، ولكن ركن الدين  أمتع الله به عضد الدولة  والمحامي عنها وما يجوز أن يسومنا هذا ، ثم أجاب إجابة خلطها بالاقتراحات التي ظن أنها تبطلها ، فمنها: تسليم واسط  وجميع ما كان لخاتون  من الأملاك والإقطاع والرسوم في سائر الأصقاع  وثلاثمائة ألف دينار عينا منسوبة إلى المهر ، وأن يرد السلطان إلى بغداد ،  و[يكون] مقامه فيها ، ولا يحدث نفسه بالرحيل عنها . 
فقال العميد أبو الفتح:  أما الملتمس وغيره فمجاب إليه من جهتي عن السلطان ، ولو أنه أضعافه ، فإن أمضيتم الأمر ، وعقدتم العهد سلم جميعه ، وأما مجيء السلطان  [ ص: 66 ] إلى بغداد  ومقامه فيها فهذا أمر لا بد من عرضه عليه ، وأخذ رأيه فيه . 
وندب للخروج إلى الري  في ذلك أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب ،  وأصحب تذكرة بذلك ، ورسم له الخطاب على الاستقصاء في الاستعفاء ، فإن تم فهو المراد ، وإلا عرضت التذكرة . 
وأنفذ طراد بن محمد الزينبي  نقيب الهاشميين في ذلك أيضا ، وأنفذ أبو نصر غانم  صاحب قريش بن بدران  برسالة من الخليفة إلى السلطان في معنى قريش ،  وإظهار الرضا عنه ، والتقدم برد أعماله المأخوذة منه ، وكان قد بذل للخليفة عند تمام ذلك عشرة آلاف دينار ، وحلف له الخليفة على صفاء النية ، وخلوص السريرة ، والتجاوز عما مضى . 
فلما وصل القوم وقد حملوا معهم الخلع للسلطان ، فقام حين وضعت بين يديه وخدم ، ثم استحضروا في غد ، وطيف بهم في مجالس الدار حتى شاهدوا المفارش والآلات ، وقيل لهم: هذا كله للجهة الملتمسة ، وكان من جملة ذلك بيت في صدره دست مؤزر ، ومفروش بالنسيج ، ووسطه سماط من ذهب فيه تماثيل المحكم والبلور والكافور والمسك والعنبر ، يوفي وزن ما في السماط على أربعمائة ألف دينار [وبيت مثله يوفي ما فيه على مائة ألف دينار] في أشياء يطول شرحها . 
فاجتمع أبو محمد التميمي  بعميد الملك وفاوضه في ذلك الأمر وعرض عليه التذكرة ، فقال له: هذه الرسالة والتذكرة لا يحسن عرضها ، فإن الامتناع لا يحسن في جواب الضراعة ، ولا المطالبة بالأموال في مقابلة الرغبة في التجمل . ومتى طرق هذا سمع السلطان حتى يعلم أن الرغبة في الشيء لا فيه ، والإيثار للمال لا له - تغيرت نيته ، وهو يفعل في جواب الإجابة أكثر مما يطلب منه . فقال له أبو محمد:  الأمر إليك ، ومهما رأيت فافعل . 
فطالع السلطان بذلك ، فسر ، وأعلم الأكابر [به] ثم تقدم إلى عميد الملك بأن يأخذ خط التميمي بذلك ، فراسله بأن السلطان قد شكر ما أعلمته من خدمتك في هذا الأمر ، وتقدم بالمسير فيه ، وأريد أن تكتب خطك بذاك لأطلعه عليك ، فكتب خطه بمقتضى الرسالة والتذكرة ، فشق ذلك على عميد الملك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					