الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

3344 - أحمد بن عبد الله بن سليمان ، أبو العلاء التنوخي المعري .

ولد يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وأصابه الجدري في سنة سبع أو أواخر سنة ست ، فغشي حدقتيه ببياض فعمي ، فقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ، وله أشعار كثيرة ، وسمع اللغة ، وأملى فيها كتبا ، وله بها معرفة تامة ، ودخل بغداد سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، وأقام بها سنة وسبعة أشهر ، ثم عاد إلى وطنه ، فلزم منزله ، وسمى نفسه: رهين المحبسين لذلك ولذهاب بصره ، وبقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ولا اللبن ، ويحرم إيلام الحيوان ، ويقتصر على ما تنبت الأرض ، ويلبس خشن الثياب ، ويظهر دوام الصوم .

ولقيه رجل فقال له: لم لا تأكل اللحم؟ فقال: [أرحم الحيوان . قال: [ ص: 23 ] فما] تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان ، فإن كان الخالق الذي دبر ذلك فما أنت بأرأف منه ، وإن كانت الطبائع المحدثة لذلك ، فما أنت بأحذق منها ولا أنقص عملا منك .

قال المصنف رحمه الله: وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة ، فأما ما قد ذبحه غيره فأي رحمة قد بقيت في ترك أكله ، وكانت أحواله تدل على اختلاف عقيدته .

وقد حكي لنا عن أبي زكريا أنه قال: قال لي المعري: ما الذي تعتقد؟ فقلت في نفسي: اليوم أعرف اعتقاده . فقلت: ما أنا إلا شاك . فقال: هكذا شيخك . وكان ظاهر أمره يدل أنه يميل إلى مذهب البراهمة ، فإنهم لا يرون ذبح الحيوان ، ويجحدون الرسل ، وقد رماه جماعة من أهل العلم بالزندقة والإلحاد ، وذلك أمره ظاهر في كلامه وأشعاره ، وأنه يرد على الرسل ويعيب الشرائع ، ويجحد البعث .

ونقلت من خط أبي الوفاء ابن عقيل أنه قال: من العجائب أن المعري أظهر ما أظهر من الكفر البارد الذي لا يبلغ منه مبلغ شبهات الملحدين ، بل قصر فيه كل التقصير ، وسقط من عيون الكل ، ثم اعتذر بأن لقوله باطنا ، وأنه مسلم في الباطن ، فلا عقل له ولا دين؛ لأنه تظاهر بالكفر ، وزعم أنه مسلم في الباطن ، وهذا عكس قضايا المنافقين والزنادقة ، حيث تظاهروا بالإسلام وأبطنوا الكفر ، فهل كان في بلاد الكفار حتى يحتاج إلى أن يبطن الإسلام؟! فلا أسخف عقلا ممن سلك هذه الطريقة التي هي أخس من طريقة الزنادقة والمنافقين ، إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة ، والزنديق يطلب النجاة في الدنيا ، وهو جعل نفسه عرضة لإهلاكها في الدنيا حين طعن في الإسلام في بلاد الإسلام ، وأبطن الكفر ، وأهلك نفسه في المعاد ، فلا عقل له ولا دين .

[ ص: 24 ]

وهذا ابن الريوندي ، وأبو حيان ما فيهم إلا من قد انكشف من كلامه سقم في دينه ، يكثر التحميد والتقديس ، ويدس في أثناء ذلك المحن .

قال ابن عقيل: وما سلم هؤلاء من القتل إلا لأن إيمان الأكثرين ما صفا . بل في قلوبهم شكوك تختلج ، وظنون تعتلج [مكتومة] إما لترجح الإيمان في القلوب ، أو مخافة الإنكار من الجمهور ، فلما نطق ناطق شبهاتهم أصغوا إليه ، ألا ترى من صدق إيمانه كيف قتل أباه؟ وإذا أردت أن تعلم صحة ما قلت فانظر إلى نفورهم عند الظفر في عشائرهم ، وفي بعض أهوائهم ، أو في صور يهوونها ، فانظر إلى إراقة الدماء ، فإذا ندرت نادرة في الدين -وإن كثر وقعها- لم يتحرك منهم نابضة .

قال المصنف رحمه الله: وقد رأيت للمعري كتابا سماه "الفصول والغايات" يعارض به السور والآيات ، وهو كلام في نهاية الركة والبرودة ، فسبحان من أعمى بصره وبصيرته! وقد ذكره على حروف المعجم في آخر كلماته ، فما هو على حرف الألف:

"طوبى لركبان النعال المعتمدين على عصي الطلح ، يعارضون الركائب في الهواجر والظلماء ، يستغفر لهم قحة القمر وضياء الشمس ، وهنيئا لتاركي النوق في غيطان الفلا ، يحوم عليها ابن داية ، يطيف بها السرحان وشتان ، أوارك قوة الألبان وجرى لبنها أفقد من لبن العطاء" .

وكله على هذا البارد ، وقد نظرت في كتابه المسمى "لزوم ما لا يلزم" وهو عشرة مجلدات .

وحدثني ابن ناصر ، عن أبي زكريا عنه بأشعار كثيرة ، فمن أشعاره:


إذا كان لا يحظى برزقك عاقل وترزق مجنونا وترزق أحمقا     فلا ذنب يا رب العباد على امرئ
رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا

[ ص: 25 ] وله:


وهيهات البرية في ضلال     وقد نظر اللبيب لما اعتراها
تقدم صاحب التوراة موسى     وأوقع في الخسار من افتراها
فقال رجاله وحي أتاه     وقال الناظرون بل افتراها
وما حجي إلى أحجار بيت     كؤوس الخمر تشرب في ذراها
إذا رجع الحليم إلى حجاه     تهاون بالمذاهب وازدراها

وله:


هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت     ويهود حارت والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا     دين وآخر دين لا عقل له

وله:


فلا تحسب مقال الرسل حقا     ولكن قول زور سطروه
وكان الناس في عيش رغيد     فجاءوا بالمحال وكدروه

وله:


إن الشرائع ألقت بيننا إحنا     وأورثتنا أفانين العداوات
وهل أبيح نساء الروم عن عرض     للعرب إلا بأحكام النبوات

وله:


أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما     دياناتكم مكر من القدماء

وله:


تناقض ما له إلا السكوت له     وأن نعوذ بمولانا من النار
يد لخمس مئين عسجد فديت     ما بالها قطعت في ربع دينار

وله:


لا يكذب الناس على ربهم     ما حرك العرش ولا زلزلا

وله:


ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة     وحق لسكان البسيطة أن يبكوا



[ ص: 26 ]

تحطمنا الأيام حتى كأننا     رجيع زجاج لا يعاد لنا سبك

وله:


كون يرى وفساد جاء يتبعه     تبارك الله ما في خلقه عبث
وإن يؤذن بلال لابن آمنة     فبعده لسجاح ما دعى شبث

أراد بالبيت الأول المجون ، ومعناه: هل هذا إلا عبث ، وعنى بالبيت الثاني: شبث بن ربعي فإنه أذن لسجاح التي ادعت النبوة ، وذكر نبينا عليه السلام باسم أمه ، وأراد إن كان [قد] جرى له هذا فقد جرى مثله لامرأة . وله في هذا المعنى فساد وكون حادثان كلاهما .

وله في مثل ذلك:

شهيد بأن الخلق صنع حكيم .

وله مثل الذي قبله:


فربما حل موصوف يراقبه     فكيف يمحن أطفال بإيلام

وله:


أمور تستخف بها حلوم     وما يدري الفتى لمن الثبور
كتاب محمد وكتاب موسى     وإنجيل ابن مريم والزبور

وله:


قلتم لنا خالق قديم     صدقتم هكذا فقولوا
زعمتموه بلا زمان     ولا مكان ألا فقولوا

[ ص: 27 ]

هذا كلام له خبيء     معناه ليست لنا عقول

انظر إلى حماقة هذا الجاهل ، أنكر أن يكون الخالق موجودا لا في زمان ، ولا في مكان ، ونسي أنه أوجدهما .

وإنما ذكرت هذا من أشعاره ليستدل بها على كفره ، فلعنه الله .

وذكر أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن الصابئ في تاريخه قال: ومن أشعار المعري:


صرف الزمان مفرق الإلفين     فاحكم إلهي بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا     وبعثت أنت لأهلها ملكين
وزعمت أن لها معادا ثانيا     ما كان أغناها عن الحالين

مات أبو العلاء المعري في ربيع الأول من هذه السنة بمعرة النعمان عن ست وثمانين سنة إلا أربعة وعشرين يوما .

وقد روي لنا أنه قد أنشد على قبره ثمانون مرثية ، رثاه بها أصحابه ، ومن قرأ عليه ومال إليه ، فقال بعضهم:


إن كنت لم ترق الدماء زهادة     فلقد أرقت اليوم من جفني دما

وهؤلاء بين أمرين: إما جهال بما كان عليه ، وإما قليلو الدين ، لا يبالون به ، ومن سبر خفيات الأمور بانت له ، فكيف بهذا الكفر الصريح في هذه الأشعار .

قال ابن الصابئ: ولما مات المعري رأى بعض الناس في منامه كأن أفعيين على عاتقي رجل ضرير تدليا إلى صدره ، ثم رفعا رأسيهما فهما ينهشان من لحمه وهو يستغيث ، فقال: من هذا . فقيل: المعري الملحد .

3345 - الحسين بن أحمد بن القاسم بن علي بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن [ ص: 28 ] طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب النسابة .

ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وثلاثمائة . وتوفي في صفر هذه السنة .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كان متميزا من بين أهله بعلم النسب ، ومعرفة أيام الناس ، وله حظ في الأدب ، وعلقت عنه حكايات ومقطعات من الشعر .

3346 - الحسين بن محمد بن عثمان أبو عبد الله [ابن] النصيبي .

سمع علي بن عمر السكري ، والدارقطني ، والمخلص . قال الخطيب: كتبت عنه وكان صحيح السماع ، وكان يذهب إلى الاعتزال ، وتوفي في هذه السنة .

3347 - سعد بن أبي الفرج محمد بن جعفر بن أبي الفرج ابن فسانجس ، يكنى: أبا الغنائم ، ويلقب: علاء الدين .

وزر مدة للملك أبي نصر بن أبي كاليجار ، ونظر في أول أيام الغز بواسط ، وخطب للمصريين ، فحمل إلى بغداد وشهر بها ، وصلب بإزاء التاج في هذه السنة ، وكان عمره سبعا وثلاثين سنة .

3348 - عبيد الله بن الحسين بن نصر ، أبو محمد العطار .

سمع ابن المظفر ، والدارقطني .

[أخبرنا القزاز] ، أخبرنا الخطيب قال: كتبت عنه وكان ثقة . وسألته عن مولده فقال: سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة ، وتوفي في هذه السنة .

3349 - عدنان بن الرضي الموسوي .

ولي نقابة الطالبيين وتوفي في هذه السنة .

[ ص: 29 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية