مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله - :  ولا يقتل والد بولد   لأنه إجماع ولا جد من قبل أم ولا أب بولد ولد وإن بعد لأنه والد ( قال  المزني      ) رحمه الله : هذا يؤكد ميراث الجد لأن الأخ يقتل بأخيه ، ولا يقتل الجد بابن ابنه ، ويملك الأخ أخاه في قوله ، ولا يملك جده وفي هذا دليل على أن الجد كالأب في حجب الإخوة وليس كالأخ .  
قال  الماوردي      : ولا يقتل والد ولا والدة ولا جد ولا جدة بولد ولا بولد ولد وإن سفل ، سواء قتله ذبحا أو حذفا وقال  مالك      : إن ذبحه غيلة قتل به وإن حذفه بسيف فقتله لم يقتل به ، استدلالا بعموم الكتاب والسنة ، ولأن تساويهما في الإسلام والحرية يوجب تساويهما في القود كالأجانب ولأنه لما قتل الولد بالوالد جاز قتل الوالد بالولد . ودليلنا ما روى  قتادة   عن  عمرو بن دينار   عن  طاوس   عن  ابن عباس   أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :  لا تقام الحدود في المساجد ، ولا يقاد بالولد الوالد     .  
وروى  محمد بن عجلان   عن  عمرو بن شعيب   عن  عبد الله بن عمرو بن العاص   أن رجلا من  بني مدلج   أولد جارية فأصاب منها ابنا ، وكان يستخدمها ، فلما شب الغلام قال : إلى متى تستأمي أمي - أي : تستخدمها خدمة الإماء - فغضب فحذفه بسيف أصاب رجله فقطعها ، ومات فانطلق في رهط إلى  عمر      - رضي الله عنه - فقال : يا عدو نفسه أنت الذي قتلت ابنك لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :  لا يقاد الأب من ابنه لقتلتك هلم ديته  ، قال : فأتاه بعشرين ومائة بعير قال فخير منها مائة فدفعها إلى ورثته ، وترك أباه  فإن قيل : إنما أسقط عنه القود للحذف ودخول الشبهة فيه بما جعل له من تأديبه ، وهذا المعنى مفقود في ذبحه غيلة .  
 [ ص: 23 ] قيل : هذا فاسد من وجهين : أنه ليس في عرف التأديب حذفه بالسيف فلم يجز حمله عليه .  
والثاني : أنه لو جاز لما استحقه من تأديبه أن لا يقال لحذفه يسقط به القود عن كل مستحق للتأديب من وال وحاكم ، وهم يقادون به مع استحقاقهم للتأديب فكذلك الأب ، ولأنه لا يخلو سقوط القود عن الأب في الحذف أن يكون لشبهة في الفعل ، أو في الفاعل ، فلم يجز أن يكون لشبهة في الفعل : لأنه لا يكون شبهة فيه مع غير الولد فثبت أنه لشبهة في الفاعل وهو الأبوة فوجب أن يسقط عنه القود مع اختلاف أحواله ، ولأن الولد بعض أبيه ، ولا قود على الإنسان فيما جناه على نفسه كذلك لا قود عليه في ولده لأنه بعض نفسه .  
واستدلاله بالظواهر مخصوص وقياسه على الأجانب ممنوع بما ذكرناه من البعضية واعتباره بقتل الولد بالوالد فاسد لتسويته في الولد بين الذبح والحذف ، وفرقه في الأب بين الذبح والحذف ، وأنه يحد الولد بقذف الوالد ، ولا يحد الوالد بقذف الولد ، وهذا انفصال ودليل .  
فإن قيل : فكيف قال  الشافعي   فيما خالف فيه  مالك      : لأنه إجماع ؟ وكيف ينعقد الإجماع مع خلاف مثله ؟ فعنه جوابان :  
أحدهما : أنه أراد به الصحابة لأنه قول  عمر   رضي الله تعالى عنه ولم يخالف أحدهم .  
والثاني : أنه قتله حذفا إجماع لا يعرف فيه خلاف فكان الذبح بمثابته .  
فأما  المزني   فإنه لما رأى  الشافعي   يقول : إن الجد كالأب في أنه لا يقتل بولد ولده قال : يجب أن يكون الجد كالأب في حجب الإخوة عن الميراث .  
قيل : إنما قال : إن الجد كالأب لأجل الولادة ولا يقتضي أن يحجب به الإخوة ، كما تجعل الأم وأباها كالأب في سقوط القود ، ولا تجعلها كالأب في حجب الإخوة .  
فصل : فإذا ثبت أن  لا قود على الأبوين ومن علا   من الأجداد والجدات من ورث منهم أو لم يرث فسواء كان الوالد القاتل حرا أو عبدا مسلما أو كافرا ، ويعزر لإقدامه على معصية ، وعليه الدية والكفارة في ماله ، ولا ميراث له منه : لأن القاتل لا يرث .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					