الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وكذلك إن ألقته من الضرب بعد موتها ففيه غرة عبد أو أمة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا ضربها فماتت وألقت جنينا ميتا فعليه ديتها وغرة في جنينها ، سواء ألقته قبل موتها أو بعده .

                                                                                                                                            وقال مالك وأبو حنيفة : تجب فيه الغرة إن ألقته قبل موتها ولا يجب فيه شيء إن ألقته بعد موتها ، إلا أن تلقيه حيا فيموت فتجب فيه ديته احتجاجا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن انفصاله ميتا بعد موتها موجب لسقوط غرمه كما لو ديس بطنها بعد الموت فألقت جنينا ميتا لم يضمن إجماعا وهو بدياسها بعد الموت مخصوص بالجناية وقتله غير مخصوص بها فكان بسقوط الغرم أحق .

                                                                                                                                            والثاني : أن الجنين بمنزلة أعضائها لأمرين :

                                                                                                                                            [ ص: 390 ] أحدهما : اتباعه لها في العتق والبيع كالأعضاء .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لا يفرد بغسل ولا صلاة كما لا تفرد به الأعضاء ، فلما كانت أروش أعضائها داخلة في ديتها وجب أن تكون غرة جنينها داخلة في ديتها .

                                                                                                                                            ودليلنا حديث أبي هريرة قال : اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها فقتلتها فأسقطت جنينا ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعقلها على عاقلة القاتلة ، وفي جنينها غرة عبد أو أمة .

                                                                                                                                            والظاهر من هذا النقل أن إلقاء الجنين كان بعد موت ، ولو احتمل الأمرين كان في إمساك النبي - صلى الله عليه وسلم - عن السؤال عنه دليل على استواء الحكم في الحالين ، ولو سأل لنقل .

                                                                                                                                            ومن القياس : أن كل جناية ضمن بها الجنين إذا سقط في الحياة وجب أن يضمن بها الجنين إذا سقط بعد الوفاة كالذي سقط حيا ثم مات : ولأن الجنين ضمان النفوس دون الأعضاء لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ديته موروثة ولو كان كأعضائها لوجبت ديتها لها .

                                                                                                                                            والثاني : أنه خارج من دية نفسها ولو كان كأعضائها لدخل في ديتها ، وإذا اختص بضمان النفوس اعتبر بنفسه لا بغيره فاستوى حكم إلقائه في الموت وبعده .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن احتجاجهم بإلقائه إذا ديست بعد موتها فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يمتنع أن يجب فيه الغرة ، لأن الأصل فيه بقاء الحياة إلى أن يتحقق الموت فيسقط به الإجماع .

                                                                                                                                            والثاني : وإن سقطت فيه الغرة فلأن الظاهر من موته بموت أمه والمديسة غير مضمونة فلم يضمن جنينها والمضروبة مضمونة فضمن جنينها .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن احتجاجهم بأنه كأعضائها فقد منعنا منه بما قدمناه .

                                                                                                                                            فأما اتباعه لها في العتق والمبيع فلا يمتنع أن يتميز عنها ، وإن تبعها كما يتبعها في الإسلام بعد الولادة ولا يتبعها في الردة بعد الولادة .

                                                                                                                                            وأما الغسل والصلاة فهو يغسل وليس في إسقاط الصلاة ما يمنع من انفراده بنفسه كما لا يغسل الشهيد والذمي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية