الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : في الترقوة جمل وفي الضلع جمل ، وقال في موضع آخر : يشبه ما حكي عن عمر فيما وصفت حكومة لا توقيت ( قال المزني ) رحمه الله : هذا أشبه بقوله كما يؤول قول زيد في العين القائمة مائة دينار أن ذلك على معنى الحكومة لا توقيت ، وقد قطع الشافعي رحمه الله بهذا المعنى ، فقال : في كل عظم كسر سوى السن حكومة ، فإذا جبر مستقيما ففيه حكومة بقدر الألم والشين وإن جبر معيبا بعجز أو عرج أو غير ذلك زيد في حكومته بقدر شينه وضره وألمه لا يبلغ به دية العظم لو قطع .

                                                                                                                                            قال الماوردي : نقل المزني عن الشافعي أنه قال : في الترقوة جمل إذا كسرت ، وفي الضلع جمل إذا كسر ، وهذا قاله في القديم ، ونقل عنه في الجديد أن فيهما حكومة ، فاختلف أصحابنا فكان المزني وطائفة من المتقدمين يخرجون ذلك على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الجمل منهما تقدير يقطع الاجتهاد فيه ويمنع من الزيادة عليه والنقصان منه : لأن عمر - رضي الله عنه - حكم فيهما بالجمل ، ومذهب الشافعي أن قول الصحابي إذا انتشر ولم يظهر له مخالف وجب العمل به ، وإن لم ينتشر فعلى قولين ، وهذا قول قد انتشر فكان العمل به واجبا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن فيه حكومة ، لأن مقادير الديات تؤخذ عن نص أو قياس ، وليس فيه نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصل يقاس عليه وجوب الجمل فيه ، وقال أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة وأكثر المتأخرين : إنه ليس ذلك على قولين ، ومذهبه فيه وجوب الحكومة ، وإنما ذكر فيهما الجمل تبركا بقول عمر ، وأثبته على قدر الحكومة أنها لا تبلغ دية السن ، وأن ما نفذ من الاجتهاد فيه بهذا القدر كان ما تعقبه عن الاجتهاد مقارنا له ، فإن زاد عليه فيصير وإن نقص عنه فيصير ، ولا يصير حدا لا يتجاوز .

                                                                                                                                            فأما العين القائمة فلا تتقدر رقبتها فصارت يدا بمائة دينار قولا واحدا ، لأن [ ص: 305 ] أبا بكر - رضي الله عنه - قد خالفه فأوجب فيها ثلث الدية ، فتعارض قولاهما ولزمت الحكومة ، وخالف الترقوة والضلع الذي لم يظهر فيه مخالف لعمر ، ولو قدره عمر بالجمل تقديرا عاما في جميع الناس ما جاز خلافه ، لأنه صار إجماعا ، ولكنه قضى به في رجل بعينه انتهت حكومته إليه ، وجاز أن يؤديه اجتهاده في غيره إلى أقل منه أو أكثر بحسب الشين ، فلذلك لم يصر حدا ، وخالف حكم الصحابة في جزاء الصيد الذي يكون اجتهادهم فيه متبوعا ، لأنه على العموم دون الخصوص .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية