الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن ذهب بعض كلامه اعتبر عليه بحروف المعجم ثم كان ما ذهب من عدد الحروف بحسابه .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهو كما قال : إذا ذهب بالجناية على اللسان بعض كلامه اعتبر قدر الذاهب منه بعدد حروف المعجم التي عليها بناء جميع الكلام ، وهي تسعة وعشرون حرفا إن كان عربي اللسان ، وإن كان أعجمي اللسان اعتبر عدد حروف كلامه ، فإن حروف اللغات مختلفة الأعداد والأنواع ، فالضاد مختصة بالعربية ، وبعضها مختص بالأعجمية ، وبعضها مشترك بين اللغات كلها ، وبعض اللغات يكون حروف الكلام فيها أحدا وعشرين حرفا ، وبعضها ستة وعشرين حرفا ، وبعضها أحدا وثلاثين حرفا ، فيعتبر قدر ما ذهب من الكلام بقدر حروف اللغة التي يتكلم بها المجني عليه ، فإذا كان عربي اللسان يقسط على تسعة وعشرين حرفا ، ومنهم من عدها ثمانية وعشرين حرفا وأسقط حرفا لا لدخوله في الألف واللام ، وسواء في ذلك حروف الحلق والشفة ، هذا ظاهر مذهب الشافعي وقول جمهور أصحابه ، وقال أبو سعيد الإصطخري وأبو علي بن أبي هريرة يكون ما ذهب من الكلام معتبرا بعدد حروف [ ص: 265 ] اللسان ، ويسقط منها حروف الحلق والشفة ، وهي عشرة أحرف ، ستة منها حلقية : وهي همزة الألف ، والحاء ، والخاء ، والعين ، والغين ، والهاء .

                                                                                                                                            وأربعة منها شفوية وهي الباء ، والفاء ، والميم ، والواو .

                                                                                                                                            ويبقى من حروف الكلام ما يختص باللسان وهو تسعة عشر حرفا تتقسط عليها ما ذهب من الكلام ، فإن ذهب منه حرف كان عليه جزءا من تسعة وعشرين جزءا من الدية وهذا فاسد من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدهما : أن هذه وإن كان مخارجها في الحلق فالشفة واللسان معبر عنها وناطق بها ، ولذلك لم يتلفظ الأخرس بها .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يقتضي غير قولهما أن لا يلزم بالجناية على لسانه ضمان ما ذهب من حروف الحلق والشفة ، ويكون ضمانه مختصا بما ذهب من حروف اللسان وهي تسعة عشر ، ويكون ضمان الحروف الحلقية والشفوية ساقطا عنه ، لأنه لم يجزأ على محله ، قالاه لم يقله غيرهما ، وإن لم يقولاه فسد تعليلهما .

                                                                                                                                            والثالث : يلزمهما في الحروف الشفوية أن يضمنها إذا جنى على شفته ، فإن قالاه ركبا الباب ، وإن لم يقولاه فسد التعليل وصح ما رأيناه من اعتبار جميعها باللسان المفصح عنها والمترجم لها ، فإن أذهب بحرف واحد منها كان عليه جزءا من تسعة وعشرين جزءا من الدية ، وإن أذهب بعشرة أحرف كان عليه عشرة أجزاء من تسعة وعشرين ، وعلى قياس هذا فيما زاد ونقص ، وسواء في ذلك ما خف على اللسان وقل هجاؤه أو ثقل على اللسان وكثر هجاؤه لا يفضل بعضها على بعض ، وتكون الدية مقسطة على أعداد جميعها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية