مسألة : قال  الشافعي   رحمه الله :  ولا تقتل الحامل حتى تضع   ، فإن لم يكن لولدها مرضع فأحب إلي أن لو تركت بطيب نفس الولي حتى يوجد له مرضع فإن لم يفعل قتلت ( قال  المزني      ) رحمه الله : إذا لم يوجد للمولود ما يحيا به لم يحل عندي قتله بقتل أمه حتى يوجد ما يحيا به فتقتل .  
قال  الماوردي      : إذا وجب القصاص على حامل أو وجب عليها وهي حائل فحملت ، لم يجز أن يقتص منها حاملا حتى تضع لقول الله تعالى  فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل      [ الإسراء : 33 ] وفي قتل الحامل سرف للتعدي بقتل الحمل معها ، ولأن  الغامدية أقرت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالزنا وهي حامل ، وقالت : طهرني يا رسول الله فقال لها : اذهبي حتى تضعي حملك  وأمر  عمر   برجم امرأة أقرت بالزنا وهي حامل فردها علي ، وقال  لعمر   رضي الله عنهما : إنه لا سبيل لك على ما في بطنها ، فقال  عمر      : لولا  علي   لهلك  عمر      .  
وقيل : بل كان القائل ذلك  معاذ بن جبل   ، فقال له  عمر      : كاد النساء يعجزن أن يلدن مثلك     . والأول أشهر ولأنه قد تقابل في الحامل حقان :  
أحدهما : يوجب تعجيل قتلها وهو القصاص .  
والثاني : استبقاء حياتها وهو الحمل ، فقدم حق الحمل في الاستيفاء على حق القصاص في التعجيل لأن في تعجيل قتلها إسقاط أحد الحقين وفي إنظارها استيفاء الحقين ، فكان الإنظار أولى من التعجيل ، وسواء كانت في أول الحمل أو في آخره ، علم ذلك بحركة الحمل أو لم يعلم إلا بقولها ليستبرأ صحة دعواها .  
وقال  أبو سعيد الإصطخري      : لا تقبل دعواها للحمل حتى يشهد به أربع نسوة عدول ، ويعجل قتلها إن لم يشهدن لها ، وهذا خطأ لقول الله تعالى  ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر      [ البقرة : 228 ] فكان هذا الوعيد على ما وجب من قبول قولها فيه ، وتحلف عليه إن اتهمت ، فإذا وضعت حملها أمهلت حتى ترضع ولدها اللبأ الذي لا يحيا المولود إلا به ، ويتعذر وجوده من غيرها في الأغلب ، فإذا أرضعته ما لا يحيا إلا به لم يخل حاله في رضاعه من أربعة أقسام :  
أحدها : أن لا يوجد له مرضع سواها ، فالواجب الصبر عليها حتى تستكمل رضاعة حولين كاملين ، لأنه لما أخرناها لحفظ حياته حملا فأولى أن نؤخرها لحفظ      [ ص: 116 ] حياته مولودا ، ولأن  النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للغامدية حين عادت إليه بعد وضع حملها : اذهبي حتى ترضعيه حولين كاملين     .  
والقسم الثاني : أن يوجد له مرضع قد تعينت وسلم إليها ملازمة لرضاعه فيقتص منها في الحال ، وإن كانت في بقية نفاسها ، لأنه لم يبق للولد عليها حق ولا لحياته بها تعلق .  
والقسم الثالث : أن يوجد له من لا يترتب لرضاعه من النساء على الدوام ، أو يوجد له بهيمة ذات لبن يكتفي بلبنها ولا يوجد لرضاعه أحد النساء ، فيقال لولي القصاص : الأولى بك أن تصبر عليها لتقوم برضاعه ، لئلا يختلف عليه لبن النساء إذا لم يترتب له إحداهن ، أو يعدل به إلى لبن بهيمة ولبن النساء أوثق له ، ولا يلزمك الصبر ، لأن فيما يوجد من لبن البهيمة ومن لا يترتب له من النساء حفظ لحياته فإن صبر مختارا أخر قتلها ، وإن امتنع وطلب التعجيل قتلت ولم تؤخر ، وهو معنى قول  الشافعي      : فإن لم يكن لولدها مرضع فأحب إلي لو تركت بطيب نفس الولي حتى يوجد له مرضع ، فإن لم يفعل قتلت . وليس كما توهمه  المزني   أنه أراد إذا لم يوجد له مرضع أبدا .  
والقسم الرابع : أن يعلم أنه سيوجد له مرضع يترتب لرضاعه ، ولكن لم يتعين في الحال ولا تسلمته ، ففي تعجيل قتلها قبل تعيين مرضعة وتسليمه وجهان :  
أحدهما : وهو أظهرهما : تعجيل قتلها ، إلا أن يرضى الولي بإنظارها إلى تعيين المرضع وتسليمه لأننا لا نأمن على المولود من تلف النفس .  
والوجه الثاني : يجب تأخير قتلها حتى يتعين المرضع وتتسلمه ، رضي به الولي أو لم يرض : لأنه ربما تأخر تعيين المرضع وتسليمه إليها زمانا لا يصبر المولود فيه على فقد الرضاع فيتلف .  
				
						
						
