فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=9324_9323وإذا استقر حفر البئر بحق فوقع فيها واقع ووقع فوقه آخر وحدث من ذلك موت فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يقع الثاني خلف الأول من غير جذب ولا دفع ، فإن مات الأول فديته هدر ، لأنه لا صنع لغيره في موته ، وإن ماتا جميعا وجبت دية الأول على الثاني ، وكانت دية الثاني هدرا لما ذكرنا ، روى
علي بن رباح اللخمي أن بصيرا كان يقود أعمى فوقعا في بئر ووقع الأعمى فوق البصير فقتله فقضى
عمر بعقل البصير على الأعمى فكان الأعمى ينشد في الموسم ويقول :
يا أيها الناس لقيت منكرا هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معا كلاهما تكسرا
والضرب الثاني : أن يجذب الأول الثاني فيقع عليه ، فإن مات الأول كانت ديته هدرا ، وإن مات الثاني كانت ديته كلها على الأول بخلاف الضرب الأول ، لأن الجاذب هو القاتل والأول جاذب والثاني مجذوب ، فصار الأول ضامنا غير مضمون ، والثاني مضمونا غير ضامن ، فعلى هذا لو وقع الأول ثم وقع عليه الثاني ، ثم وقع عليهما ثالث ، فإن كان وقوعهم من غير جذب ولا دفع فدية الأول على الثاني والثالث : لأنه
[ ص: 376 ] مات بوقوعهما عليه فاشتركا في ديته لاشتراكهما في تلفه ، ودية الثاني على الثالث : لأنه انفرد بالوقوع عليه فانفرد بديته ، ودية الثالث هدر : لأنه تلف من وقوعه ، وإن جذب بعضهم بعضا فجذب الأول الثاني وجذب الثاني الثالث فإذا ماتوا جميعا كان موت الأول والثاني بفعل قد اشتركا فيه ، وموت الثالث بفعل لم يشاركهما فيه ، لأن موت الأول كان بجذبه للثاني وبجذب الثاني للثالث وموت الثاني بجذب الأول وبجذب الثاني للثالث فصار الأول والثاني مشتركين في قتل أنفسهما يجب عليهما حكم المصطدمين ، وكان النصف من دية كل واحد منهما هدرا : لأنه في مقابلة فعله والنصف الآخر على عاقلة صاحبه ، فيكون على عاقلة الأول نصف دية الثاني وباقيها هدر ، وعلى عاقلة الثاني نصف دية الأول وباقيها هدر ، فأما الثالث فهو مجذوب وليس بجاذب ، فتكون جميع ديته مضمونة : لأنه مجذوب ولا يضمن دية غيره ، لأنه ليس بجاذب وفيمن يضمن ديته وجهان :
أحدهما : يضمنها الثاني دون الأول ، لأن الثاني هو المباشر بجذبه .
والوجه الثاني : يضمنها الثاني والأول بينهما بالسواء ، لأن الأول لما جذب الثاني وجذب الثاني الثالث صارا مشتركين في جذب الثالث فلذلك اشتركا في ضمان ديته ، وعلى هذا لو جذب الأول ثانيا وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا وماتوا فيسقط الثلث من دية الأول هدرا ، ويجب ثلثاها على الثاني والثالث : لأنه مات بجذبه للثاني وبجذب الثاني للثالث وبجذب الثالث للرابع ، فكان موته بفعله وفعل الثاني وفعل الثالث وليس للرابع فعل : لأنه مجذوب وليس بجاذب فكان ثلث ديته هدرا : لأنه في مقابلة فعله وثلثها على عاقلة الثاني ، وثلثها على عاقلة الثالث ، وهكذا الحكم في الثاني يكون ثلث ديته هدرا ، وثلثاها على عاقلة الأول وثلثها على عاقلة الثالث ، لأنه مات بجذب الأول له وبجذبه للثالث وبجذب الثالث الرابع فصار الأول والثاني والثالث مشتركين في قتل الثالث ، فسقط ثلث الدية ، لأنها في مقابلة فعله ووجب ثلثاها على الأول والثالث ، وأما دية الثالث ففي قدر ما يهدر منها ويضمن وجهان :
أحدهما : يهدر نصف ديته ويجب نصفها على الثاني : لأنه مات بجذب الثاني وبجذبه للرابع فصار مشاركا للثاني في قتل نفسه فسقطت نصف ديته ، لأنه في مقابلة قتله ، ووجب نصفها على الثاني وخرج منها الأول ، لأنه باشر جذبه .
والوجه الثاني : أنه ينهدر من ديته ثلثها ويجب ثلثاها على الأول والثاني ، لأن
[ ص: 377 ] الأول لما جذب الثاني صار مشاركا له في جذب الثالث ، ولما جذب الثالث الرابع صار مشاركا للأول والثاني في قتل نفسه وهم ثلاثة ، فسقط من ديته ثلثها ، لأنه في مقابلة فعله ، ووجب ثلثاها على الأول والثاني ، وأما دية الرابع فجميعها واجبة لا ينهدر منها شيء : لأنه مجذوب وليس بجاذب ومقتول وليس بقاتل ، وفيمن تجب عليه ديته وجهان :
أحدهما : تجب على الثالث وحده ، لأنه باشر جذبه .
والوجه الثاني : أنها تجب على الأول والثاني والثالث أثلاثا ، لأن كل واحد منهما جاذب لمن بعده فصاروا مشتركين في جذب الرابع فاشتركوا في تحمل ديته والله أعلم .
فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=9324_9323وَإِذَا اسْتَقَرَّ حَفْرُ الْبِئْرِ بِحَقٍّ فَوَقَعَ فِيهَا وَاقِعٌ وَوَقَعَ فَوْقَهُ آخَرُ وَحَدَثَ مِنْ ذَلِكَ مَوْتٌ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَقَعَ الثَّانِي خَلْفَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ جَذْبٍ وَلَا دَفْعٍ ، فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ فَدِيَتُهُ هَدَرٌ ، لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِغَيْرِهِ فِي مَوْتِهِ ، وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا وَجَبَتْ دِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي ، وَكَانَتْ دِيَةُ الثَّانِي هَدَرًا لِمَا ذَكَرْنَا ، رَوَى
عُلَيُّ بْنُ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ أَنَّ بَصِيرًا كَانَ يَقُودُ أَعْمَى فَوَقَعَا فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ الْأَعْمَى فَوْقَ الْبَصِيرِ فَقَتَلَهُ فَقَضَى
عُمَرُ بِعَقْلِ الْبَصِيرِ عَلَى الْأَعْمَى فَكَانَ الْأَعْمَى يَنْشُدُ فِي الْمَوْسِمِ وَيَقُولُ :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَقِيتُ مُنْكَرَا هَلْ يَعْقِلُ الْأَعْمَى الصَّحِيحَ الْمُبْصِرَا
خَرَّا مَعًا كِلَاهُمَا تَكَسَّرَا
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَجْذِبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ فَيَقَعُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ كَانَتْ دِيَتُهُ هَدَرًا ، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي كَانَتْ دِيَتُهُ كُلُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّ الْجَاذِبَ هُوَ الْقَاتِلُ وَالْأَوَّلُ جَاذِبٌ وَالثَّانِي مَجْذُوبٌ ، فَصَارَ الْأَوَّلُ ضَامِنًا غَيْرَ مَضْمُونٍ ، وَالثَّانِي مَضْمُونًا غَيْرَ ضَامِنٍ ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْأَوَّلُ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّانِي ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِمَا ثَالِثٌ ، فَإِنْ كَانَ وُقُوعُهُمْ مِنْ غَيْرِ جَذْبٍ وَلَا دَفْعٍ فَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ : لِأَنَّهُ
[ ص: 376 ] مَاتَ بِوُقُوعِهِمَا عَلَيْهِ فَاشْتَرَكَا فِي دِيَتِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَلَفِهِ ، وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ : لِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِالْوُقُوعِ عَلَيْهِ فَانْفَرَدَ بِدِيَتِهِ ، وَدِيَةُ الثَّالِثِ هَدَرٌ : لِأَنَّهُ تَلِفَ مِنْ وُقُوعِهِ ، وَإِنْ جَذَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَجَذَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَجَذَبَ الثَّانِي الثَّالِثَ فَإِذَا مَاتُوا جَمِيعًا كَانَ مَوْتُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِفِعْلٍ قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ ، وَمَوْتُ الثَّالِثِ بِفِعْلٍ لَمْ يُشَارِكْهُمَا فِيهِ ، لِأَنَّ مَوْتَ الْأَوَّلِ كَانَ بِجَذْبِهِ لِلثَّانِي وَبِجَذْبِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ وَمَوْتُ الثَّانِي بِجَذْبِ الْأَوَّلِ وَبِجَذْبِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ فَصَارَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُشْتَرِكَيْنِ فِي قَتْلِ أَنْفُسِهِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا حُكْمُ الْمُصْطَدِمَيْنِ ، وَكَانَ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدَرًا : لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِهِ ، فَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ نِصْفُ دِيَةِ الثَّانِي وَبَاقِيهَا هَدَرٌ ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي نِصْفُ دِيَةِ الْأَوَّلِ وَبَاقِيهَا هَدَرٌ ، فَأَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ مَجْذُوبٌ وَلَيْسَ بِجَاذِبٍ ، فَتَكُونُ جَمِيعُ دِيَتِهِ مَضْمُونَةً : لِأَنَّهُ مَجْذُوبٌ وَلَا يَضْمَنُ دِيَةَ غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَاذِبٍ وَفِيمَنْ يَضْمَنُ دِيَتَهُ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يَضْمَنُهَا الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُبَاشِرُ بِجَذْبِهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَضْمَنُهَا الثَّانِي وَالْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا جَذَبَ الثَّانِيَ وَجَذَبَ الثَّانِي الثَّالِثَ صَارَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي جَذْبِ الثَّالِثِ فَلِذَلِكَ اشْتَرَكَا فِي ضَمَانِ دِيَتِهِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَذَبَ الْأَوَّلُ ثَانِيًا وَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا وَمَاتُوا فَيَسْقُطُ الثُّلُثُ مِنْ دِيَةِ الْأَوَّلِ هَدَرًا ، وَيَجِبُ ثُلُثَاهَا عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ : لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِهِ لِلثَّانِي وَبِجَذْبِ الثَّانِي لِلثَّالِثِ وَبِجَذْبِ الثَّالِثِ لِلرَّابِعِ ، فَكَانَ مَوْتُهُ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الثَّانِي وَفِعْلِ الثَّالِثِ وَلَيْسَ لِلرَّابِعِ فِعْلٌ : لِأَنَّهُ مَجْذُوبٌ وَلَيْسَ بِجَاذِبٍ فَكَانَ ثُلُثَ دِيَتِهِ هَدَرًا : لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ وَثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي ، وَثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الثَّانِي يَكُونُ ثُلُثُ دِيَتِهِ هَدَرًا ، وَثُلُثَاهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ وَثُلُثُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ ، لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِ الْأَوَّلِ لَهُ وَبِجَذْبِهِ لِلثَّالِثِ وَبِجَذْبِ الثَّالِثِ الرَّابِعَ فَصَارَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مُشْتَرِكِينَ فِي قَتْلِ الثَّالِثِ ، فَسَقَطَ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ وَوَجَبَ ثُلُثَاهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ ، وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثِ فَفِي قَدْرِ مَا يُهْدَرُ مِنْهَا وَيُضْمَنُ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يُهْدَرُ نِصْفُ دِيَتِهِ وَيَجِبُ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي : لِأَنَّهُ مَاتَ بِجَذْبِ الثَّانِي وَبِجَذْبِهِ لِلرَّابِعِ فَصَارَ مُشَارِكًا لِلثَّانِي فِي قَتْلِ نَفْسِهِ فَسَقَطَتْ نِصْفُ دِيَتِهِ ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَتْلِهِ ، وَوَجَبَ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي وَخَرَجَ مِنْهَا الْأَوَّلُ ، لِأَنَّهُ بَاشَرَ جَذْبَهُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ يَنْهَدِرُ مِنْ دِيَتِهِ ثُلُثُهَا وَيَجِبُ ثُلُثَاهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، لِأَنَّ
[ ص: 377 ] الْأَوَّلَ لَمَّا جَذَبَ الثَّانِيَ صَارَ مُشَارِكًا لَهُ فِي جَذْبِ الثَّالِثِ ، وَلَمَّا جَذَبَ الثَّالِثُ الرَّابِعَ صَارَ مُشَارِكًا لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِي قَتْلِ نَفْسِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ ، فَسَقَطَ مِنْ دِيَتِهِ ثُلُثُهَا ، لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ ، وَوَجَبَ ثُلُثَاهَا عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَأَمَّا دِيَةُ الرَّابِعِ فَجَمِيعُهَا وَاجِبَةٌ لَا يَنْهَدِرُ مِنْهَا شَيْءٌ : لِأَنَّهُ مَجْذُوبٌ وَلَيْسَ بِجَاذِبٍ وَمَقْتُولٌ وَلَيْسَ بِقَاتِلٍ ، وَفِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتُهُ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : تَجِبُ عَلَى الثَّالِثِ وَحْدَهُ ، لِأَنَّهُ بَاشَرَ جَذْبَهُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ أَثْلَاثًا ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَاذِبٌ لِمَنْ بَعْدَهُ فَصَارُوا مُشْتَرِكِينَ فِي جَذْبِ الرَّابِعِ فَاشْتَرَكُوا فِي تَحَمُّلِ دِيَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .