القول في وقت ذبح الأضحية   
مسألة : قال  الشافعي      : ولا وقت للذبح يوم الأضحى إلا في قدر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك حين حلت الصلاة وقدر . خطبتين خفيفتين وإذا كان هذا القدر فقد حل الذبح لكل أحد حيث كان فأما صلاة من بعده فليس فيها وقت .  
 [ ص: 85 ] قال  الماوردي      : اختلف الفقهاء في  أول وقت الأضحية   على أربعة مذاهب :  
أحدها : وهو مذهب  الشافعي   أن أول وقتها في الأمصار والقرى للحاضر والمسافر واحد ، وهو معتبر بوقت الصلاة لا بفعلها ، فإذا طلعت الشمس وارتفعت حتى خرجت عن كراهة التنفل بالصلاة ومضى بعد ذلك قدر ركعتين وخطبتين دخل وقت النحر ، وجاز ذبح الأضحية فيه سواء صلى الإمام في المصر ، أو لم يصل .  
واختلف أصحابنا في تقدير زمان الركعتين والخطبتين على وجهين :  
أحدهما : أن الركعتين من صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العيد وخطبتيه ، فإنه كان يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بسورة " ق " وفي الثانية بسورة " اقتربت " وكان يخطب خطبتين يستوفي فيها التحميد والمواعظ وبيان الأضاحي والوصية بتقوى الله تعالى ، وقراءة آية ، فيكون اعتبار وقت صلاته وخطبتيه هو المشروط في دخول الوقت .  
والوجه الثاني : أن يعتبر بأقل ما يجزئ في صلاة ركعتين ، وأقل ما يجزئ في خطبتين ، ولا اعتبار بما كانت عليه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يطيل مرة ، ويخفف أخرى ، ويقدم تارة ويؤخر أخرى ، وإنما الاعتبار بتحديد مشروع لا يختلف .  
ثم اختلف أصحابنا بعد هذا ، هل كان وقتها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اعتبار قدر الصلاة يحكمها فيمن بعده من الأئمة على وجهين :  
أحدهما : على أن الحكم فيهما سواء .  
والوجه الثاني : في أنه عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - معتبر بصلاته ، وفي عهد من بعده معتبر بقدر الصلاة ، فهذا شرح مذهب  الشافعي   وأصحابه فيه .  
والمذهب الثاني : وهو قول  أبي حنيفة      : أنه معتبر في الأمصار بصلاة الأئمة فيها ، وفي القرى ، والأسفار معتبر بطلوع الفجر ، فإن ضحى أهل الأمصار قبل صلاة الأئمة كان شاة لحم ، ولم تكن أضحية .  
والمذهب الثالث : وهو قول  مالك   أنه في الأمصار معتبر بصلاة الإمام ونحره وفي القرى ، والأسفار معتبر بصلاة الأئمة في أقرب البلاد بهم ، فإن ذبح أهل الأمصار قبل ذبح الإمام كانت شاة لحم ولم تكن أضحية .  
والمذهب الرابع : وهو قول  عطاء   أنه في وقت جميع الناس معتبر بطلوع الشمس من يوم النحر ، واستدل من ذهب إلى قول  أبي حنيفة   ومالك   برواية  البراء بن عازب   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت :  لا ذبح قبل صلاة الإمام     .  
وبرواية  جرير بن عبد الله البجلي   ، قال :  شهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلم أن ناسا ذبحوا قبل الصلاة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كان منكم  ذبح قبل الصلاة   فليعد      [ ص: 86 ] ذبيحته ، ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله     .  
قالوا : وتقديرها بفعل الصلاة يقين وتقديرها بزمان الصلاة اجتهاد ، فكان اعتبار وقتها باليقين أولى من اعتباره بالاجتهاد : ولأن تقديرها بالفعل متفق عليه ، وبالزمان مختلف فيه ، والأخذ بالاتفاق أولى من العمل بالاختلاف .  
ودليلنا ما رواه  الشافعي   عن  عبد الوهاب بن عبد المجيد   ، عن  داود بن أبي هند   ، عن  الشعبي   عن  البراء بن عازب   أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام يوم النحر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " لا يذبحن أحد حتى يصلي " ، فقام خالي فقال : يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه مكروه ، وإني ذبحت نسيكتي فأطعمت أهلي وجيراني ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد فعلت فأعد ذبحا آخر قال : عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم ، فقال : هو خير نسيكتيك لن تجزئ جذعة عن أحد بعدك     .  
فموضع الدلالة فيه : أنه علق التحريم بصلاة المضحي لا بصلاة الإمام والمضحي ، يجوز أن  يصلي العيد منفردا   ، وليس يعتبر فعله للصلاة اتفاقا ، فدل على أنه أراد وقت الصلاة .  
ومن القياس : أن كل عبادة تعلقت بالوقت في حق أهل القرى تعلقت بالوقت في حق أهل الأمصار ، كالصلاة طردا والكفارات عكسا : ولأن كل ما كان وقتا للذبح في حق أهل القرى ، كان وقتا للذبح في حق أهل الأمصار ، كما بعد الصلاة طردا وعكسه دلالة عليهم في أهل القرى أن كل ما لم يكن وقتا لذبح أهل الأمصار لم يكن وقتا لذبح أهل القرى ، كما قبل الفجر : ولأن ما توقت من العبادات إذا تقدر آخره بالوقت تقدر أوله بالوقت كالصلاة طردا والزكاة عكسا : ولأن أحد طرفي زمان الذبح ، فوجب أن يكون مقدرا بالوقت كالطرف الأخير .  
فأما الجواب عن قوله :  لا ذبح قبل صلاة الإمام  فمن وجهين :  
أحدهما : أن الإمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مضى ، فوجب أن يعتبر وقت صلاته وهو ما قلناه .  
والثاني : أن المراد به قبل وقت الصلاة الإمام كما قال :  من  أدى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس   فقد أدرك العصر     .  
يريد : من أدرك ركعة من وقت العصر ، وإنما جعلناه على أحد هذين الجوابين في حق أهل المصر كما عدلوا به عن ظاهره في حق أهل القرى ، وكذلك الجواب عن الحديث الآخر .  
وأما الجواب عن قولهم : إن اعتبارها بفعل الصلاة يقين وبزمانها اجتهاد . فهو أن      [ ص: 87 ] اعتبارها بزمان الصلاة أولى : لأنه يتماثل ولا يختلف وبفعل الصلاة يختلف .  
وأما الجواب عن قولهم : إنه متفق عليه ، فهو أن دلائل الشرع هي المعتبرة دون المذاهب المتعددة : لحدوث المذاهب عن الأدلة فلم يجز أن تجعل المذاهب أدلة . وأما الجواب عن صلاة الظهر في يوم الجمعة ، فهو أن فعلها معتبر بفوات الجمعة ، ولذلك تعلق بفوات فعلها دون وقتها ، وليس وقت الأضحية بمثابتها ، وعلى أنهما يتساويان إذا لم يصل العيد ، ولم يصل الجمعة جاز ذبح الأضحية ، وجازت صلاة الظهر ، ولو تعلقا في وقتهما بفعل الصلاة لم تجزئ إذا لم تقم الصلاة ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					