الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثاني في وصول جميعها إلى بدنه ، فمعتبر بلفظه ، فإن قال : أضربك بمائة سوط جاز ، إذا جمعها وضربه بها أن لا يصل جميعها إلى بدنه ؛ لأنه قد صار ضاربا له بمائة سوط ؛ لأن دخول الباء على العدد تجعله صفة لآلة الضرب ، ولا تجعله صفة لعدد الضرب .

                                                                                                                                            وإن قال : أضربك مائة سوط ، وحذف الباء من العدد لبر بإيصال جميعها إلى بدنه ؛ لأنه جعله صفة لعدد الضرب دون الآلة .

                                                                                                                                            وإذا كان من شرط البر وصول جميعها إلى بدنه لم يخل حاله في جمعها وضربه بها دفعة من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            [ ص: 453 ] أحدها : أن يعلم وصول جميعها إلى بدنه ، فيكون بارا .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يعلم أن بعضها لم يصل إلى بدنه ، فلا يكون بارا .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يشك هل وصل جميعها أو لم يصل ، فمذهب الشافعي أنه يكون بارا ؛ لأن الظاهر من وقوعها على البدن أنه لم يحل عنه حائل ، فحمل على البر في الظاهر ، ولم يحنث بالشك .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة والمزني : لا يبر بشكه في البر .

                                                                                                                                            واستدل المزني بما قاله الشافعي فيمن حلف ليفعلن كذا الوقت إلا أن يشاء فلان ، فإن مات فلان أو غاب ، حتى مضى الوقت حنث ، فلم يجعله بالشك في المشيئة بارا ، فكيف جعله بالشك في وصول الضرب بارا ؟

                                                                                                                                            والجواب عنه أنه جعل المشيئة شرطا في حل اليمين ، وقد انعقدت فلم تخل بالشك مع عدم الظاهر فيه ، وجعل وصول الضرب شرطا في البر ، فلم يحنث بالشك ؛ اعتبارا بالظاهر فيه . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية