الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حال ما حكم بنجاسته من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ما كان نجس العين من الأصل خلقة ، ولم يكن له من الطهارة أصل كالكلب ، والخنزير ، فلا يجوز بيعه بحال : لنجاسة عينه ، سواء كان منتفعا به ، كالكلب ، أو غير منتفع به كالخنزير .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما طرأت نجاسته بعد تقدم طهارته من غير نجاسة جاورته ، كنجاسة الخمر ، بحدوث الشدة ، ونجاسة الميتة ، بحدوث الموت .

                                                                                                                                            والشدة والموت لا يوصف بنجاسة ولا طهارة ، وإن نجس بهما الأعيان الطاهرة .

                                                                                                                                            وهذه النجاسة مانعة من جواز البيع سواء أمكن إزالتها بدباغ الجلد أو لم يمكن إزالتها ، كاللحم : لنجاسة جميع الأجزاء التي لا يتخللها جزء طاهر .

                                                                                                                                            وأجاز أبو حنيفة بيع ما يمكن إزالة نجاسته ، كالجلد لإمكان طهارته بالدباغة ، وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن نجاسة الخمر يمكن إزالتها عنده بالتخليل ، ولا يجوز بيعها ، كذلك الجلد .

                                                                                                                                            والثاني : أنه قبل زوال نجاسته مساو لما تمكن إزالة نجاسته لا لنجاسة جميع أجزائه ، فلم يجز أن يجري على حكم الطهارة ، مع عدمها فيه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما نجس بمجاورة النجاسة له مع طهارة عينه ، فهذا ينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تتميز نجاسته ويمكن إزالتها ، كالثوب النجس ، فيجوز بيعه ، قبل إزالة نجاسته ، لعلتين :

                                                                                                                                            إحداهما : إمكان إزالتها .

                                                                                                                                            الثانية : بقاء أكثر منافعه معها .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن لا تتميز نجاسته : لامتزاجه بها ، ولا يمكن إزالتها ، كالدبس واللبن إذا نجس ، وكذلكالماء النجس ، فلا يجوز بيع ذلك ، لأنه لا سبيل إلى طهارته ، فإن قيل : فالماء النجس يطهر بالمكاثرة .

                                                                                                                                            [ ص: 160 ] قيل : المكاثرة لا تزيل النجاسة : لبقائها فيه ، وإنما يغلب حكم المكاثرة ، فيحكم له بالطهارة .

                                                                                                                                            أولا ترى أن البول لو وقع في الماء الكثير ، فلم يغيره كان طاهرا ، وجاز بيعه ولا يدل ذلك على طهارة البول ، كذلك الماء النجس .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما لم يتميز نجاسته : لامتزاجه واختلف في إمكان إزالتها منه ، وهو الزيت النجس ، وما جرى مجراه من الأدهان ، دون السمن . ففي إمكان غسله وطهارته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج وابن أبي هريرة أنه يمكن غسله ، ويطهر بأن يراق عليه الماء في إناء ، ويمخض فيه مخضا ، يصير به مغسولا ، كالثوب : لأن الدهن يتميز عن الماء ويعلو عليه ، كما يتميز الثوب ، ثم يؤخذ ، فيكون طاهرا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، وقول جمهور أصحابه : إن غسله لا يصح بخلاف الثوب ، لأنه مائع ، كالماء ، فلم يكن جذب الماء للنجاسة بأولى من جذب الزيت لها ، فكان باقيا على نجاسته والماء في الثوب يجذب نجاسته إليه ، فافترقا .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن غسله لا يصح لم يجز بيعه ، وهو الصحيح .

                                                                                                                                            وإن قيل : إن غسله يصح ، ففي جواز بيعه وجهان من علتي بيع الثوب النجس :

                                                                                                                                            إحداهما : يجوز بيعه تعليلا بإمكان تطهيره بالغسل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز بيعه تعليلا بذهاب أكثر منافعه بنجاسته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية