الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا قال : والله لا أكلت الفاكهة ، حنث بجميع أنواعها من ثمار الأشجار كلها ، فيحنث بأكل التفاح والمشمش والكمثرى والسفرجل والنبق والتوت والرمان والعنب والرطب .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يحنث بالرمان والعنب والرطب ، وإن خالفه أبو يوسف ومحمد ، وقالا بقولنا احتجاجا بقول الله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن : 68 ] . وقال تعالى : فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا [ عبس : 27 - 31 ] فجمع بين الفاكهة ، وبين العنب والرطب والرمان في الذكر ، وخير بينها وبينهم في الاسم ، فدل على خروجها من اسم الفاكهة ، كما خرج منها الزيتون ، لتميزه بالاسم .

                                                                                                                                            [ ص: 440 ] ودليلنا : ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع الثمار حتى تزهى قيل : وما تزهى ؟ قال : حتى تحمار أو تصفار .

                                                                                                                                            والدليل فيه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الفواكه هي الثمار والرطب والعنب من أجلها .

                                                                                                                                            والثاني : أنه جعل الاحمرار والاصفرار مبيحا لبيعها ، وهذا مما يشترك فيه جميعها ، ولأن أهل اللغة متفقون على دخول العنب والرطب والرمان في الفاكهة ، فروي عن يونس النحوي أنه قال : الرمان والنخل من أفضل الفاكهة ، وإنما قصدا بالذكر لفضلهما ، واستشهد بقول الله تعالى : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال [ البقرة : 98 ] ، فذكر الملائكة ، وخص جبريل وميكال بالذكر ، وإن كانا من الملائكة لفضلهما .

                                                                                                                                            وقال الخليل : الفاكهة : الثمار كلها .

                                                                                                                                            وقال الحسن والضحاك : الرطب والرمان من الفواكه ، وفضلا بالذكر على جميعها ، وهؤلاء في اللغة قدوة متبعون ولا يسوغ خلافهم فيها ، ولأن اسم الفاكهة مشتق من التفكه بها ، وهي الاستطابة من قولهم : فلان يتفكه بكلامه أي : يتطارب به ، وهذا موجود في العنب والرطب والرمان أوفى من وجوده من غيرها ، فكان أحق باسمها ، ولأنه ليس الجمع في الجنس بين خصوص وعموم بمانع من دخول الخصوص في العموم كما قال تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [ البقرة : 238 ] ، فدخلت في عموم الصلوات ، وإن خصت بالذكر . وكقوله : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح فدخل في عموم الأنبياء مع التخصيص بالذكر . قال أصحاب أبي حنيفة : إنما يدخل الخصوص في العموم إذا تأخر ، ولا يدخل فيه إذا تقدم .

                                                                                                                                            قيل : هذه دعوى لا يشهد للفرق بينهما دليل ، وإن سلم ذلك لكم ، فقد تأخر خصوص قوله : فيهما فاكهة ونخل ورمان على عموم الفاكهة ، فوجب أن يدخلا فيها .

                                                                                                                                            فإذا تقرر ما ذكرنا ، فلا خلاف بين أصحابنا في دخول العنب والرمان في الفاكهة في جميع البلاد .

                                                                                                                                            وأما الرطب ، فقد كان بعض أصحابنا يجعله من الفاكهة في البلاد التي يقل فيها كبغداد ، ولا يجعلها من الفاكهة في البلاد التي يكثر فيها كالبصرة ، وذهب جمهورهم [ ص: 441 ] إلى أنه من الفاكهة من جميع الأمصار لما قدمناه من الاستدلال .

                                                                                                                                            فأما ثمار ما عدا الأشجار ، فالموز فاكهة والبطيخ فاكهة ، وليس الخيار والقثاء من الفاكهة ، وإنما هما من الخضراوات ، لأنها لا تتغير عن ألقابها إلا عند فسادها .

                                                                                                                                            فإذا ثبت ما يدخل في اسم الفاكهة حنث بأكله رطبا ، فإن أكله يابسا ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : ما ينقل عن اسمه بعد يبسه وجفافه كالرطب يسمى بعد جفافه تمرا ، وكالعنب يسمى بعد جفافه زبيبا ، فلا يحنث بأكله ، وقد خرج عن الفاكهة بزواله عن اسمه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا ينتقل عن اسمه بعد جفافه كالتين والخوخ والمشمش ، ففي حنثه بأكله وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحنث به لبقاء اسمه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحنث به لانتقاله عن صفته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية