فصل : فإذا ثبت ما وصفناه من
nindex.php?page=treesubj&link=4111مسلك الضحايا في هذه الجهات الأربع الأكل والادخار والصدقة والهدية اشتمل حكمها على فصلين :
أحدهما : في مقاديرها ، فليس تتقدر في الجواز ، وإنما تتقدر في الاستحباب ، لأنه لو أكل يسيرا منها ، وتصدق بباقيها جاز ، ولو تصدق بيسير منها وأكل باقيها جاز ، فأما مقاديرها في الاستحباب ففيه قولان :
أحدهما : - قاله في القديم - يأكل ويدخر ويهدي النصف ويتصدق على الفقراء بالنصف ، لأن الله تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير [ الحج : 28 ] .
[ ص: 117 ] فجعلها في صنفين ، فاقتضى أن تكون بينهما نصفين .
والقول الثاني : - قاله في الجديد - أن
nindex.php?page=treesubj&link=4114يأكل ، ويدخر الثلث ،
nindex.php?page=treesubj&link=4113ويهدي الثلث ،
nindex.php?page=treesubj&link=4112ويتصدق على الفقراء بالثلث لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر فذكر ثلاثة أصناف فاقتضى أن تكون بينهم أثلاثا .
وأما الفصل الثاني : وجوبها واستحبابها ، فلا يختلف المذهب أن الادخار مباح ، وليس بواجب ولا مستحب وأن الهدية ليست بواجبة وهي مستحبة ، فأما الأكل والصدقة فقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :
أحدهما : وهو قول
أبي العباس بن سريج ،
وأبي سعيد الإصطخري أنهما مستحبان فإن أكل جميعها جاز وإن تصدق بجميعها جاز لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=37لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم [ الحج : 37 ] . فجعل مقصودها التقوى بعد الإراقة دون الأكل والصدقة .
ولأنه لما كان لو أكل أكثرها كان جميعها أضحية كذلك إذا أكل جميعها .
والوجه الثاني : - وهو قول
أبي الطيب بن سلمة - : أن الأكل والصدقة واجبان ، فإن أكل جميعها لم يجزه ، وإن تصدق بجميعها لم يجزه حتى يجمع بين الأكل والصدقة لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير فجمع بينهما وأمر بهما فدل على وجوبهما ، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر في حجه مائة بدنة ، وأمر عليا أن يأتيه من كل بدنة ببضعة ، ثم أمر بها ، فطبخت فأكل من لحمها ، وحسا من مرقها ، فلما أكل من كل بدنة مع كثرتها دل على وجوب أكله منها .
والوجه الثالث : - وهو مذهب
الشافعي وما عليه جمهور أصحابنا - أن الأكل مستحب والصدقة واجبة ، فإن أكل جميعها لم يجزه وإن تصدق بجميعها أجزأه لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فجعلها لنا ، ولم يجعلها علينا ، فدل على أن أكلنا منها مباح ، وليس بواجب ، ولأن حقوق الإنسان هو مخير فيها بين الاستبقاء والإسقاط .
ولأن موضوع القرب بالأصول أنها مستحقة عليه وليست مستحقة له .
ولأن قوله تعالى في الضحايا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28فكلوا منها وأطعموا جار مجرى قوله في الزكاة :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده [ الأنعام : 141 ] . فلما كان أكله مباحا والإيتاء واجبا كذلك الأكل من الأضحية مباح والإطعام واجب .
فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4111مَسْلَكِ الضَّحَايَا فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ الْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ اشْتَمَلَ حُكْمُهَا عَلَى فَصْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : فِي مَقَادِيرِهَا ، فَلَيْسَ تَتَقَدَّرُ فِي الْجَوَازِ ، وَإِنَّمَا تَتَقَدَّرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ يَسِيرًا مِنْهَا ، وَتَصَدَّقَ بِبَاقِيهَا جَازَ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِيَسِيرٍ مِنْهَا وَأَكَلَ بَاقِيَهَا جَازَ ، فَأَمَّا مَقَادِيرُهَا فِي الِاسْتِحْبَابِ فَفِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : - قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ - يَأْكُلُ وَيَدَّخِرُ وَيُهْدِي النِّصْفَ وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِالنِّصْفِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [ الْحَجِّ : 28 ] .
[ ص: 117 ] فَجَعَلَهَا فِي صِنْفَيْنِ ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : - قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ - أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4114يَأْكُلَ ، وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=4113وَيُهْدِيَ الثُّلُثَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=4112وَيَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِالثُّلُثِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا .
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي : وُجُوبُهَا وَاسْتِحْبَابُهَا ، فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ الِادِّخَارَ مُبَاحٌ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ وَأَنَّ الْهَدِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ ، فَأَمَّا الْأَكْلُ وَالصَّدَقَةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ ،
وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا جَازَ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا جَازَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=37لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [ الْحَجِّ : 37 ] . فَجَعَلَ مَقْصُودَهَا التَّقْوَى بَعْدَ الْإِرَاقَةِ دُونَ الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ .
وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَوْ أَكَلَ أَكْثَرَهَا كَانَ جَمِيعُهَا أُضْحِيَّةً كَذَلِكَ إِذَا أَكَلَ جَمِيعَهَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : - وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي الطِّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ - : أَنَّ الْأَكْلَ وَالصَّدَقَةَ وَاجِبَانِ ، فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا لَمْ يُجْزِهِ ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَمَرَ بِهِمَا فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِمَا ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ فِي حَجِّهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَأْتِيَهُ مَنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا ، فَطُبِخَتْ فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا ، وَحَسَا مِنْ مَرَقِهَا ، فَلَمَّا أَكَلَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مَعَ كَثْرَتِهَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ أَكْلِهِ مِنْهَا .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : - وَهُوَ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا - أَنَّ الْأَكْلَ مُسْتَحَبٌّ وَالصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ ، فَإِنْ أَكَلَ جَمِيعَهَا لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا أَجْزَأَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=36وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَجَعَلَهَا لَنَا ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا عَلَيْنَا ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَكْلَنَا مِنْهَا مُبَاحٌ ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَلِأَنَّ حُقُوقَ الْإِنْسَانِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهَا بَيْنَ الِاسْتِبْقَاءِ وَالْإِسْقَاطِ .
وَلِأَنَّ مَوْضُوعَ الْقُرْبِ بِالْأُصُولِ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ .
وَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي الضَّحَايَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=28فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا جَارٍ مَجْرَى قَوْلِهِ فِي الزَّكَاةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [ الْأَنْعَامِ : 141 ] . فَلَمَّا كَانَ أَكْلُهُ مُبَاحًا وَالْإِيتَاءُ وَاجِبًا كَذَلِكَ الْأَكْلُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ مُبَاحٌ وَالْإِطْعَامُ وَاجِبٌ .